110

Ibrahim Ubangijin Annabawa

إبراهيم أبو الأنبياء

Nau'ikan

وقد عرفت في البداوة حالات قريبة من عقيدة التوحيد، ولكنها لم تعرف حتى كان أصحابها معروفين لأهل العمران في المدن المجاورة، ولولا ذلك لما اتصل خبرها بالتاريخ.

فحالة البداوة التي ترشح أصحابها لعقيدة التوحيد هي حالة البدوي المترقي من عبادة الجن والعفاريت، الذين ينتشرون في كل موطن، إلى عبادة رب كريم يرعاه حيث سار وحيث أقام، فهذه الحالة من البداوة ترشح صاحبها للإيمان بالإله الموجود في كل مكان؛ لأن الإيمان بإله «محلي» محصور في مكان واحد عبث ينفر منه طبعه، ولا يلائم مطالب عيشه، ولا يتكفل له بالأمان الذي يتطلع إليه في حله وترحاله.

وكثير من أهل البادية الأقدمين من يجمعون بين عقيدة التوحيد وبين الوثنية على نحو يوافقهم في حالتي المقام والمسير، فيتخذون لهم تماثيل يحملونها معهم، ويرمزون بها إلى الإله، وقد بقيت هذه التماثيل عند قبائل بني إسرائيل إلى ما بعد أيام داود عليه السلام، وهي التماثيل التي كانوا يسمونها بالطرافين، ويقتنيها أصحاب كل بيت كما يقتنون اللوازم المنزلية

ولكن هذا التوحيد كتوحيد أهل الحضارة الذي تقدم ذكره، كلاهما لا يخلق الجو الذي يلائم الرسالة النبوية، ولا بد لهذا الجو من شيء يأخذه من البداوة، وشيء يأخذه من الحضارة، ولم يتحقق ذلك في غير مدينة القافلة وما إليها.

لا بد من النخوة الحية التي تتوقد بما تعتقد، وتحس في أعماقها أن العقيدة حياة تحياها، وليس قصاراها أنها تدبير من المجتمع، أو قانون من الدولة.

لا بد من بساطة التصديق الذي لا يعرف التردد، ولا يحسن اللف والدوران، وتخريج الكلمات، وتزييف الشعائر والأحكام.

لا بد من الاستغراق في الإيمان على وجهة واحدة لا تتحمل، ولا تتأول، ولا تجعل العقيدة أجزاء مفرقة تتوزعها النصوص والفتاوى، وتتعاورها

2

المتون والشروح.

لا بد من الجمع بين سهولة التغيير وصعوبة التغيير في وقت واحد، وهذه خصلة تتيسر للبداوة ولا تتيسر في الحضارة، فليس أكثر من التغيير في حياة البدوي؛ لأنه أبدا على عزم السفر والانتقال، وليس أكثر من الثبات في حياة البدوي؛ لأنه محافظ على عهد الآباء والأجداد ينوط

Shafi da ba'a sani ba