10

Ibn Taymiyyah: His Life and Times, Opinions and Jurisprudence

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

Mai Buga Littafi

دار الفكر العربي

والأعمال تسترعي الأنفس أكثر مما تسترعي الأقوال، وفوق هذا كانت له شخصية رهيبة قوية، ونفس حلوة جذابة، وقلب رءوف خافق؛ وعقل جبار نافذ، وإرادة قوية حازمة، وكل أولئك يجعل له عند الناس مكانة، ويجعلهم يقبلون ما يقول، أو على الأقل إن يخالفوه لا ينابذوه؛ وإذا أضيف إلى ذلك لمعان حجته، وفصاحة بيانه، وقوة بلاغته، علمنا تحت أي تأثير كان المستمعون له؛ فوق أنه كان ينهل من العذب الصافي، والورد المورود إلى يوم القيامة، وهو كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو يأخذ بألباب المستمعين إلى المحجة البيضاء؟ وكان كثيرون من الدهماء يصغون إليه؛ وكثيرون من الخاصة يقتنعون بحجته.

ولذلك وجدنا الذين يكيدون لذلك العالم الجليل من العلماء المعاصرين يكيدون له عند السلطان، ولم نجد ثورة من العامة إلا قليلا تحت تأثير عوامل اصطناعية لا طبيعية، وكان ذلك يحدث في مصر لا في الشام؛ إذ في الشام يعلمه العامة والخاصة؛ وفي مصر لم يكن معلوماً لكثيرين من العامة، فكان من السهل إثارتهم عليه.

٧- هذه لمحات لتلك الشخصية الرائعة التي نحاول وضع أيدينا على مفتاحها، وتعرف خواصها! واستكناه حقيقتها، وتقصي أخبارها؛ ونتتبعها، وصاحبها صغير إلى أن يبلغ أشده؛ ثم استوى رجلاً قوياً، وعالماً علياً.

وإن سيرته نيرة مبسوطة مذكورة، ذلك بأن تلاميذه الذين أخلصوا له في حياته وبعد وفاته، تقصوا حياته، وبسطوا الوقائع التي نزلت به، والتي اعترك فيها مع غيره؛ وبعض أولئك قصوها علينا قصصاً واقعياً موضوعياً، ولم يضفوا على الأخبار بمبالغات الخيال؛ ذلك لأنهم شاهدوا وعاينوا، فاكتفوا بتدوين شهادتهم وعيانهم.

وإن سرد الوقائع من غير توسيعها بالخيال، يسهل على الدارس دراسة الشخصية دراسة علمية، يرد النتائج إلى مقدماتها؛ والفروع إلى أصولها؛ والآثار إلى المؤثر فيها.

9