من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين، قال الله تعالى:
أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ، وقال:
فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما . •••
هذا ما كان متبعا بالنسبة للتتار ومن إليهم، أما بالنسبة للمسلمين فكان القضاة طبعا يفتون حسب شريعة الله ورسوله، فكانت جهة التقاضي واحدة، وكذلك الشريعة التي يحكم بها، فكان للبلد الواحد أو لجملة بلاد، من ديار مصر والشام، قاض واحد يحكم حسب مذهبه الفقهي.
وظل الأمر كذلك إلى سنة 663، ففي هذه السنة كان القضاء في مصر كلها (في عهد السلطان الظاهر بيبرس) للشيخ تاج الدين عبد الوهاب ابن بنت الأعز وهو شافعي، فرأى السلطان بيبرس تولية قضاة من بقية المذاهب الأربعة، وأن يكون كل منهم مستقلا بالحكم فيما يرفع إليه من دعاوى حسب مذهبه، وأن يولي كل منهم من جهته نوابا في البلاد التي جعل إليه القضاء فيها. وكان السبب في هذا التغيير الكبير - كما يذكر ابن كثير - كثرة توقف القاضي ابن بنت الأعز في أمور تخالف مذهب الشافعي وتوافق غيره من المذاهب.
12
وبهذا ذهبت وحدة القضاء وجهاته؛ لأن من المعروف أن المذاهب الفقهية تختلف فيما بينها اختلافات كثيرة في الأصول والآراء والأحكام التي تنبني عليها، فربما كان في المسألة أو القضية الواحدة آراء كثيرة مختلفة على ما هو معروف.
أديان ومذاهب
وكما كان المجتمع في ذلك العصر كثير الأجناس والطبقات - على ما عرفنا - مثله مثل سائر المجتمعات في كل مكان في تلكم الأيام، كان كذلك كثير الأديان والعقائد، كثير النحل والمذاهب في الدين الواحد، وكان هذا كله من بواعث القلق والفتنة والاضطراب، ومن العوامل التي يسر للفرنج والتتر أن يعيشوا زمنا طويلا في البلاد.
نعم، كان هنالك المسلمون أهل البلاد والكثرة الغالبة بطبيعة الحال، وكان بجانبهم أهل الذمة اليهود والنصارى، وكان المسلمون فرقا مختلفة من ناحية العقائد الدينية كما نعرف في علم الكلام، وكان هناك الإسماعيلية وغيرهم من الشيعة الروافض الذين يكيدون للإسلام وأهله منذ قديم الزمان وإلى اليوم كيدا كثيرا.
Shafi da ba'a sani ba