واحتاجوا في ذات أنفسهم إلى الرجوع لعهد جنكيز خان والاقتداء بحكم «الياسه»،
1
فلذلك نصبوا الحاجب ليقضي بينهم فيما اختلفوا فيه من عوايدهم، والأخذ على يد قويهم وإنصاف الضعيف منه على مقتضى ما في «الياسه»، وجعلوا إليه مع ذلك النظر في قضايا الدواوين السلطانية عند الاختلاف في أمور الإقطاعات؛ لينفذ ما استقرت عليه أوضاع الديوان وقواعد الحساب ...» إلى آخر ما قال.
2 •••
وبعد هذا، لنا أن نقول بصفة عامة بأن المجتمع كان فيه قوتان كبيرتان لكل منهما نفوذها؛ الأولى: طبقة الأمراء وعلى رأسهم السلطان، وكان لها نصيب الأسد من النفوذ والجاه إن لم يكن النصيب كله، ومصدر ذلك سلطان الحكم وقوته.
والأخرى: هي طبقة العلماء والفقهاء وكبار رجال الدين، ومأتى نفوذ هؤلاء هو الدين نفسه، هذا الدين الجياش بالقوة والذي يقوى به - حتى على من بيدهم الحكم - من يمثله حقا ويعمل به في كل الشئون والأحوال. ويرى العارفون بالتاريخ ما كان في هذا العصر من نفوذ عز الدين بن عبد السلام، ومحيي الدين النووي، وابن تيمية، وأمثالهم جميعا، على السلاطين أنفسهم ومن إليهم، وعلى الشعب والأمة كلها، وسنرى في الفصل الخاص بحياة ابن تيمية مصداق ذلك كله.
ويكفي هنا أن نشير إلى أحد مواقف الشيخ عز الدين بن عبد السلام مع سلاطين عصره وأمرائه، وذلك حين أراد الملك المظفر الخروج لقتال التتار بالشام، وجد قلة ما عنده من المال في خزانته، وأنه «محتاج إلى المساعدة بشيء من أموال الرعية لإقامة الجند وتجهيزهم للسفر وما يعينهم على ذلك»، فجمع القضاة والفقهاء والأعيان لاستشارتهم في هذا، وطلب الموافقة على ما عزم عليه، فسكت من كان في المجلس إلا الشيخ عز الدين الذي قال: «إذا طرق العدو بلاد الإسلام وجب على الحاكم قتالهم، وجاز لكم أن تأخذوا من الرعية ما تستعينون به على جهادكم، بشرط ألا يبقى في بيت المال شيء من السلاح والسروج الذهبية والفضية، والكبابيش المزركشة، وأسقاط السيوف والفضة وغير ذلك، وتبيعوا ما لكم من الحوائص الذهبية والآلات النفيسة، ويقتصر كل الجند على سلاحه ومركوبه ويتساووا هم والعامة. وأما أخذ الأموال من العامة مع بقايا في أيدي الجند من الأموال والآلات الفاخرة، فلا.»
3
قال الشيخ هذه الكلمة المدوية غير ناظر لما يلقاه بسببها من اضطهاد وبلاء، ولكن الملك المظفر قبلها منه وعمل بمشورته، فكان النصر من الله القوي العزيز.
وبلغ من مهابة الشيخ عز الدين في قلوب السلاطين والأمراء، أنه لما مات سنة 660 ومرت جنازته بالملك الظاهر بيبرس ورأى كثرة الخلق الذين معها، قال لبعض خواصه: «اليوم استقر أمري في الملك؛ لأن هذا الشيخ لو كان يقول للناس: اخرجوا عليه؛ لانتزع الملك مني!»
Shafi da ba'a sani ba