Ibn Taymiyyah: His Life and Times, Opinions and Jurisprudence
ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه
Mai Buga Littafi
دار الفكر العربي
استحفظ عليها، وجمعها جمعا متناسقا؛ وقد درسها كما درس العقائد متجها إلى ما كان عليه السلف الصالح، وما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية؛ وقد وجد المعين الخصب في فتاوى الصحابة، وفتاوى التابعين الذين لازموا كبار الصحابة، ونقلوا علمهم؛ ولعل هذا هو السبب في إعجابه بمذهب أحمد بن حنبل واستمرار إعجابه إلى أن مات؛ وهذا فوق تنشئته الأولى التي نشأ فيها على ذلك المذهب الجليل، ولهذا نراه يقول: ((أحمد كان أعلم من غيره بالكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولهذا لا يكاد يوجد له قول يخالف نصا، كما يوجد لغيره، ولا يوجد له قول ضعيف، إلا وفي مذهبه في الغالب قول يوافق القول الأقوى، وأكثر مفاريده التي يختلف فيها مذهبه عن غيره يكون قوله راجحاً كقوله بقبول شهادة أهل الذمة على المسلمين عند الحاجة كالوصية في السفر إلى غير ذلك من المسائل.
ونرى من هذا إعجابه الكبير بمذهب الإمام أحمد رضي الله عنه؛ لا لموافقته نشأته فقط، بل لموافقته مسلكه.
٨٥- وليس إعجاب ابن تيمية بمذهب الإمام أحمد إعجاب المتعصب الذي يحجبه عن إدراك سواه، وفهمه وفهم مراميه وغاياته، ولعله عدل رأيه قليلا في اعتبار كل ما ينفرد به أحمد راجحا، وكل ما يقوله أحمد من الكتاب والسنة، فسنجده يخالفه مخالفة صريحة جريئة في أيمان الطلاق.
وقد كان ابن تيمية عدو التعصب في الفروع، فقد درس فقه المسلمين كله دراسة عميقة محيطة؛ وكان ينهى أشد النهي عن التعصب، فيقول: ((من تعصب لواحد من الأئمة بعينه فقد أشبه أهل الأهواء سواء تعصب لمالك أم لأبي حنيفة أم لأحمد. ثم غاية المتعصب لواحد منهم أن يكون جاهلا بقدره في العلم والدين، وبقدر الآخرين، فيكون جاهلا ظالما، واللّه يأمر بالعلم والعدل، وينهى عن الجهل والظلم. قال تعالى: ((وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا)، وهذا أبو يوسف ومحمد أتبع الناس لأبي حنيفة وأعلمهم بقوله، وهما خالفاه في مسائل لا تكاد تحصى لما تبين لهما من السنة والحجة ما أوجب عليهما اتباعه، وهما مع ذلك يعظمان إمامهما)).
78