وكان يوجد بين معاصري هذا الأمير حكيم اسمه إقليقولاس الحائز على جميع العلوم الخفية، وكان هذا الحكيم يعيش معتزلا منذ دور في مغارة يقال لها ساريقون، وكان يفطر في كل أربعين يوما بشيء من نبات الأرض، وقد بلغ من العمر ثلاثة أدوار، وكان الملك هرمانوس يستشيره كثيرا.
ومما حدث ذات يوم أن شكا الملك إلى الحكيم عدم الولد، وكان هذا الأمير لا يلتفت إلى النساء، وكان يكره معاشرتهن ويأنف الاجتماع بهن، فنصحه الحكيم بأن يتخذ امرأة ذات حسن وجمال على طالع فلكي، فيكون له ولد ذكر، ما دام «الملك» قد عاش ثلاثة قرون، فأبى الملك ذلك، هنالك قال له الحكيم: إنه لم يبق سبيل إلى إنالته وارثا غير رصد طالع موافق وغير اختيار يبروح
49
صنمي في الوقت الذي تقرره النجوم، فيراق قليل من سائله اللقاحي (أي الملك) في هذا اليبروح، ويلازم الحكيم أمر العناية بهذا اليبروح وتحويله إلى ولد حي.
وهذا ما صنع، ويولد الولد، ويسمى سلامان، وتطلب له امرأة لتغذوه بلبنها، وتوجد له امرأة جميلة بنت للثامنة عشرة من سنيها، يقال لها أبسال، وتتولى هذه المرأة أمر تربيته، ويفرح الملك.
ويروى أن هرمانوس وعد الحكيم بأن يقيم - كدليل على شكره - بناءين عظيمين قادرين على مقاومة طوفانات الماء والنار، حيث تحفظ أسرار العلوم، وهذان البناءان هما الهرمان.
ولما تم للصبي مدة الرضاع أراد الملك أن يفرق بينه وبين المرأة؛ فجزع الصبي من ذلك لشدة شغفه بها، فلما رأى الملك ذلك تركهما إلى حين بلوغ الصبي، فلما بلغ اشتدت محبته للمرأة وقوي عشقه لها، حتى كان في أكثر أوقاته يفارق خدمة الملك لإصلاح أمرها.
ويأمر الملك بإحضار ابنه، ويوجه إليه نصائح قائلا: «أنت ولدي، وليس لي في الدنيا غيرك، ولكن اعلم - يا بني - أن النسوان هن مكايد الشر ومصايده، وما أفلح من خالطهن إلا لاعتبار بهن، أو ليحصل لنفسه خيرا منهن ، ولا خير فيهن، فلا تجعل لامرأة في قلبك مقاما حتى يصير سلطان عقلك مقهورا ونور بصرك وحياتك مغمورا، فلا أحسب هذا إلا من شأن البله المغفلين.
واعلم - يا بني - أن الطريق طريقان: طريق هو العروج من الأسفل إلى الأعلى، والثاني الانحدار من الأعلى إلى الأسفل، ولنمثل لك ذلك في عالم الحس حتى يتبين لك الصواب. اعلم أن كل واحد من جملة من هو على بابنا إذا لم يأخذ بطريق العدل والعقل هل يصير قريب المنزلة منا؟ كلا، بل إذا أخذ بطريق العدل والعقل يصير كل يوم قريب المنزلة منا، فكذا الإنسان إذا سلك طريق العقل وتصرف في قواه البدنية التي هي أعوانه على أن يقرب من عالم النور العالي، الذي يبهر كل نور فبعد مدة يصير قريبا منه منزلة، ومن علامة ذلك أن يصير نافذ الأمر في السفليات، وهذه أخس هذه المنازل، بل الوسطى منها هو أن يصير مشاهدا للأنوار القاهرة، التي تتصل على سبيل الدوام بالعالم السفلي، والعليا منها أن يصير عالما بحقائق الموجودات، منصرفا فيها على وفق العدل والحق.
أقول لك: إنك إن أردت أن تكون لك امرأة تقبل منك ما تريد، وتفعل لك ما تشتهيه فهلم سعيا، فقد نفد الزاد وبعد المزار، وإن كنت مالكا سبيل الإيمان، طارقا طريقة الإيقان فخذ نفسك عن هذه الفاجرة أبسال؛ إذ لا حاجة لك فيها، ولا مصلحة لك في مخالطتها؛ فاجعل نفسك رجلا متحليا بحلية التجرد، حتى أخطب لك جارية من العالم العلوي تزف إليك أبد الأبدين، ويرضى عنك رب العالمين.»
Shafi da ba'a sani ba