Ibn Sina Faylusuf
ابن سينا الفيلسوف: بعد تسعمئة سنة على وفاته
Nau'ikan
علم كل خادم ما هو أهل له، ولا تنقله من عمل إلى عمل، ولا تحوله من صناعة إلى صناعة؛ فإن ذلك من أمتن أسباب الدمار ، فمتى نقل الإنسان الخادم مما قد أتقنه ومارسه إلى ما يختاره له أفسد عليه نظام خدمته.
لا ينبغي أن يشدد الإنسان النكير على خادمه، فصرفه أوفق من ذلك ، وهو دليل على ضيق الصدر وقلة الصبر وخفة الحلم، لكن فليعاقبه عندما يذنب، ومن عصا معصية صلعاء أو جنى جناية شنعاء لا سبيل إلى اغتفارها؛ فالخلاص منه أولى؛ لئلا يفسد عليه سائر الخدم.
وختام هذا الفصل
إن سياسة ابن سينا مع إيجازها وقلة ابتكارها، وبعض الهنات التي تعتورها لا تزال أفيد كتبه وأحسنها، كل من يدرسها يستفيد منها حتى في عصرنا هذا. والهفوة الوحيدة البارزة في هذه الرسالة البليغة هي ابتعاد الرئيس عن الكلام عن واجبات الإنسان نحو خالقه كما صنع أستاذه الفارابي في سياسته، ولعلنا نجد له بعض المعذرة فيما قاله: «انقضت الأبواب التي مثلنا فيها ما يحق على الرجل فعله ... وإنما ذكرنا القليل من الكثير، والجمل دون التفسير ...»
الخاتمة
لا بد من هذا الإقرار أن الوهن المسيطر على الفلسفة العربية عموما، وعلى فلسفة الرئيس خصوصا، ناجم عن نقص في الثقافة والتفكير الطليق، فأساس الفلسفة العربية الفلسفة اليونانية، لا بل إن الفلسفة العربية ليست سوى شرح للفلسفة اليونانية، وهل يستطيع إنسان أن يشرح مؤلفا أعجميا ويفك معضلاته دون أن يطالع كتابه في اللغة التي كتبه فيها؟!
هذا ما لا نظنه؛ فالفلاسفة الأعارب قد حاولوا شرح الفلسفة اليونانية دون أن يكون للأكثرية الساحقة منهم أدنى إلمام باليونانية، فضلوا سواء السبيل وخبطوا خبط عشواء؛ لأن الترجمات التي عولوا عليها في شروحاتهم كانت مشوهة ممسوخة؛ ولذا أتت فلسفتهم في الغالب مبتورة مفككة الأوصال.
لقد كان لزاما على هؤلاء الحكماء أن يدرسوا اليونانية قبل أن يقتبسوا من حكمائها ويعلقوا عليهم. وهذا لم يكن صعبا عليهم؛ لأن أغلب أساتذتهم السريان كانوا يتقنون تلك اللغة العلمية الجميلة، بيد أن العربي من طبيعته ينفر من الجهود العقلية، ولا يصبر على كبت رغائبه؛ ولذلك خسر كثيرا، واستحق الملامة والعذل.
والشيء الثاني الذي أعاق الفلسفة العربية عن التحليق في سماء الإبداع، هو خلط الفلاسفة بين الفلسفة والدين، فلقد سها بالهم عن أن الدين مصدره الوحي، والفلسفة لا تؤمن إلا بالعقل المجرد، ولو كانوا توقفوا عند توفيقهم بين الفلسفة والدين لكانت المصيبة محتملة، ولكنهم أرادوا أن يخضعوا الحقائق الدينية للنور الطبيعي، لا بل إنهم في بعض الأحايين قد أفرغوا وسعهم في رفع الحقيقة الفلسفية إلى مستوى أعلى من الحقيقة الدينية كما صنع ابن رشد؛ ولهذا باءوا بالفشل.
نحن لا ننكر أن فلاسفة المغرب قد طرقوا هذا الموضوع، إلا أنهم توقفوا أخيرا إلى وضع حد فاصل بين العقل والدين، فميزوا أولا بين العقل والوحي، ثم أبانوا أن العقل السليم لا يناقض الوحي، كما أنه لا يستطيع إثبات أسراره إثباتا لا مرد عليه، فتراث الفلسفة الكامل يؤخذ من العقل؛ أي إن الفلسفة لا تسلم إلا بما يقر النور الطبيعي، ويقيم البرهان على وجوده. أما الدين فهو بعكس ذلك يقوم على الوحي؛ أي على كلام الله؛ فالعقائد التي لا يستطيع العقل إدراكها واردة في كلم وعبارات لا تتمكن قوى الإنسان بذاتها أن تسبر كنهها، إنما يجب علينا أن نؤمن بها إيمانا يسهله العقل؛ فالفيلسوف إذن يفتش دائما عن مبادئ برهانه في تضاعيف العقل، واللاهوتي يحول أنظاره في برهنته إلى الوحي.
Shafi da ba'a sani ba