Ibn Sina Faylusuf
ابن سينا الفيلسوف: بعد تسعمئة سنة على وفاته
Nau'ikan
كل شيء يعتريه الفساد يمكنه أن لا يوجد، وكل شيء يولد يمكنه أن يوجد، فيكون إذن تغيير الموجودات في نظر الرئيس متعلقا بالإمكان، إلا أن سلسلة الممكنات لا تقدر أن تكون غير متناهية؛ لأنها إذا كانت غير متناهية تبقى ممكنة الوجود بذاتها، ولا تستطيع أن تعطي ذاتها الوجود، فيلزمنا إذن أن نقسم الموجودات إلى موجود ممكن وموجود واجب، فالممكن الوجود هو الموجود الذي متى فرض غير موجود أو موجودا لم يعرض منه محال. والواجب الوجود هو الموجود الذي متى فرض غير موجود عرض عنه محال، وبما أن الموجود الممكن الوجود لا يقدر أن يتناول وجوده من ذاته لكونه ممكنا، فيجب إذن أن يأخذ وجوده من الموجود الواجب الوجود الذي يعطي الممكنات الوجود وهو ما نسميه الله.
قال ابن سينا:
لا شك أن هنا وجودا، وكل وجود فإما واجب وإما ممكن؛ فإن كان واجبا فقد صح وجود الواجب وهو المطلوب، وإن كان ممكنا فإنا نوضح أن الممكن ينتهي وجوده إلى واجب الوجود.
1
إن المعلم الثالث لا يقف عند هذا الحد في إثبات وجود الله؛ بل ينتقل إلى برهان العلل، نحن نرى أن كل موجود ممكن؛ إما أن يكون مع إمكانه حادثا أو غير حادث؛ فإن كان غير حادث، فإما أن يتعلق ثبات وجوده بعلة أو بذاته؛ فإن كان بذاته فهو واجب لا ممكن، وإن كان بعلة، فعلته معه والكلام فيه كالأول.
وإن كان حادثا فلا يخلو إما أن يكون حادثا باطلا مع الحدوث حالا، وإما أن يبطل بعد قليل من حدوثه، وإما أن يبقى بعد الحدوث؛ فالقسم الأول محال ظاهر الإحالة، والقسم الثاني أيضا محال؛ لأن الأوقات لا تتالى بصورة متباينة، فظهر إذن أن الموجود الممكن يبقى بعد الحدوث، من هذا ينتج أن لكل موجود علة لوجوده، وهذه العلة المطلقة القادرة الطائقة هي الله.
2 (2) ماهية الله وبساطته
الماهية والوجود في الله هما شيء واحد؛ لأننا إذا فصلنا ماهيته عن وجوده جعلناه متجزئا وقابلا للقبلية والبعدية وفيه شيء ما بالقوة، الأمر الذي لا يلائم واجب الوجود؛ لأنه هو الكمال بالذات، والوجود المطلق والعلة الأولى والمبدأ الأول لجميع الموجودات، والواجب التام الذي ليس له حالة منتظرة.
وبما أن واجب الوجود خال من القوة، وكل شيء فيه هو بالفعل، فيتبع ذلك أنه تعالى بسيط. وهذا واضح لأن الله ليس بجسم، ولا مادة جسم ولا صورة جسم، ولا مادة معقولة لصورة معقولة، ولا صورة معقولة في مادة معقولة، ولا له قسمة لا في الكم ولا في المبادئ ولا في القول، ولا يقع تحت حد أو برهان، بريء عن الكم والكيف والماهية والأين والمتي والحركة ... بهذه الأقوال ونظائرها يحدد الشيخ الرئيس علاقة الخالق بالمخلوق، ويطلعنا على أن الله هو فوق الكل، وقادر على كل شيء. (3) وحدانية الله وحقيقته
إن واجب الوجود واحد من جهة تمامية وجوده، وواحد من جهة أن حده له، واحد من جهة أنه لا ينقسم لا بالكم ولا بالمبادئ المقومة له ولا بأجزاء الحد، وواحد من جهة أن لكل شيء وحدة تخصه وبها كمال حقيقته الذاتية، وأيضا هو واحد من جهة أخرى، وتلك الجهة هي أن مرتبته من الوجود وجوب الوجود، ولا ند له ولا شريك، أليس إن هذه النتيجة الفلسفية الجميلة هي ترديد لقول القرآن:
Shafi da ba'a sani ba