Ibn Sina Faylusuf
ابن سينا الفيلسوف: بعد تسعمئة سنة على وفاته
Nau'ikan
3
في قرية خرميثن، وتزوج أمي من قرية يقال لها أفشنة، وولدت منها وولد أخي. ثم انتقلنا إلى بخارا، وأحضرت معلم القرآن والأدب، وكملت العشر من العمر، وقد أتيت على القرآن وعلى كثير من الأدب حتى كان يقضى مني العجب. وأخذ والدي يوجهني إلى رجل كان يبيع البقل، ويقوم بحساب الهند حتى أتعلمه منه، ثم جاء إلى بخارا أبو عبد الله الناتلي،
4
وكان يدعي الفلسفة، وأنزله دارنا؛ رجاء تعلمي منه، فقرأت ظواهر المنطق عليه، وأما دقائقه فلم يكن عنده منها خبرة، ثم أخذت أقرأ الكتب على نفسي وأطالع الشروح، وكذلك كتاب إقليدس، فقرأت من أوله خمسة أشكال أو ستة عليه، ثم توليت حل الكتاب بأسره، ثم انتقلت إلى المجسطي، وفارقني الناتلي، ثم رغبت في علم الطب، وصرت أقرأ الكتب المصنفة فيه، وتعهدت المرضى؛ فانفتح علي من أبواب المعالجات المقتبسة من التجربة ما لا يوصف، وأنا في هذا الوقت من أبناء ست عشرة سنة، ثم توفرت على القراءة سنة ونصفا، وكلما كنت أتحير في مسألة ولم أكن أظفر بالحد الأوسط في قياس، ترددت إلى الجامع وصليت وابتهلت إلى مبدع الكل حتى يفتح لي المغلق منه والمتعسر، وكنت أرجع بالليل إلى داري، وأضع السراج بين يدي، وأشتغل بالقراء والكتابة، فمهما غلبني النوم، أو شعرت بضعف عدلت إلى شرب قدح من الشراب ريثما تعود إلي قوتي، ثم أرجع إلى القراءة، ومتى أخذني أدنى نوم أحلم بتلك المسائل بأعيانها، حتى إن كثيرا منها انفتح لي وجوهها في المنام، ولم أزل كذلك حتى أحكمت علم المنطق والطبيعي والرياضي. ثم عدلت إلى العلم الإلهي، وقرأت كتاب ما بعد الطبيعة، فما كنت أفهم ما فيه، والتبس علي غرض واضعه، حتى أعدت قراءته أربعين مرة، وصار لي محفوظا وأنا مع ذلك لا أفهمه، وأيست من نفسي وقلت: «هذا كتاب لا سبيل إلى فهمه، وإذا أنا يوما حضرت وقت العصر في الوراقين، وبيد دلال مجلد ينادي عليه، فعرضه علي؛ فرددته رد متبرم معتقد ألا فائدة في هذا العلم»، فقال لي: «اشتر مني هذا فإنه رخيص، أبيعكه بثلاثة دراهم؛ لأن صاحبه محتاج إلى ثمنه»؛ فاشتريته، فإذا هو كتاب لأبي نصر الفارابي في أغراض كتاب ما بعد الطبيعة، فرجعت إلى بيتي وأسرعت قراءته، فانفتح علي أغراض ذلك الكتاب؛ بسبب أنه صار لي على ظهر القلب، وفرحت بذلك وتصدقت بشيء على الفقراء شكرا لله تعالى، فلما بلغت ثماني عشرة سنة من عمري فرغت من هذه العلوم كلها، وكنت إذ ذاك للعلم أحفظ، ولكنه اليوم معي أنضج، وإلا فالعلم واحد لم يتجدد لي بعده شيء، ثم مات والدي وتصرفت بي الأحوال، وتقلدت شيئا من أعمال السلطان، ودعتني الضرورة إلى الارتجال إلى بخارا والانتقال عنها إلى جرجان، وكان قصدي الأمير قابوس، فاتفق في أثناء هذا أخذ قابوس وحبسه وموته، ثم مضيت إلى داهستان، ومرضت بها مرضا صعبا، وعدت إلى جرجان، وأنشأت في حالي قصيدة فيها بيت القائل:
لما عظمت فليس مصر واسعي
لما غلا ثمني عدمت المشتري
ا .ه.
وفي جرجان اتصل به تلميذاه؛ أبو عبيد الجوزجاني ، وأبو محمد الشيرازي؛ لرغبتهما في تلقي العلم عنه فأفادهما كثيرا، ثم انتقل إلى الري، واتصل بخدمة مجد الدولة إلى أن كان من الأسباب ما استوجب خروجه إلى قزوين، ومنها إلى همذان، وتقلد الوزارة لشمس الدولة، ثم تشوش العسكر عليه، وأغاروا على داره ونهبوها وقبضوا عليه، وسألوا شمس الدولة قتله فامتنع، ثم أطلق فتوارى، ثم مرض شمس الدولة بالقولنج فأحضره لمعالجته واعتذر إليه وأعاده وزيرا.
5
وبعد أن مات شمس الدولة، وبويع ابنه طلب أن يستوزر الشيخ الرئيس فأبى، وأقام في بعض الدور متواريا، ثم اتهم بأنه يكاتب أمير أصفهان علاء الدولة سرا، فقبضوا عليه، وسيروه إلى قلعة فردجان فسجن، وأنشأ هناك قصيدة جاء فيها:
Shafi da ba'a sani ba