تناول ابن سينا بالمنطق والفلسفة كثيرا من المسائل الذهنية والروحية، ويمكن أن يقال إن المنطق كان في عرف ابن سينا آلة سلبية تعصم من الزلل وتساعد على اجتناب الخطأ، وإنما تدرك الحقائق بهداية الحكمة ونور البصيرة، فهي مصباح والمنطق ميزان.
وفي المنطق، والفلسفة الإلهية، مسائل لها شأن خاص في مذهب ابن سينا، كمسألة الكليات ومسألة المعرفة؛ لأنهما تقترنان باسمه في كتب هذه المباحث مع سبق الكلام فيها من قبله، لما ألقى عليهما من لمحاته الشخصية التي لا تلتبس بملامح غيره.
فالكليات كما قدمنا هي موجودات مفارقة - أو مجردة - سابقة لوجود الجزئيات في مذهب أفلاطون.
وهي عند أرسطو لا وجود لها في خارج الذهن لأنها منتزعة من تصور الجزئيات.
أما ابن سينا فرأيه في هذه المسألة وسط بين رأي الحكيمين الكبيرين؛ لأنه يرى أن الكليات موجودة قبل الجزئيات، وموجودة فيها، وموجودة بعدها. فوجودها قبل الجزئيات في علم الله أو في العقل الإلهي الذي لا يغرب عنه مثقال ذرة مما في السماء والأرض، ووجودها في الجزئيات لأن «الشجرية» موجودة في جميع الأشجار والكوكبية موجودة في جميع الكواكب والإنسانية موجودة في جميع الناس. أما وجودها بعد الجزئيات ففي عقولنا نحن الذين نشاهدها ونعرفها من معرفة المفردات التي تدخل تحت عنوان واحد، أو من معرفة الأخبار والأنواع والفضول والآحاد كما يقول المناطقة.
ويترتب على هذا الرأي في الكليات والجزئيات رأي ابن سينا في المعرفة وأسبابها.
فعند أفلاطون أن المعرفة «تذكر» لأن النفس قد شهدت هذه الحقائق الخالدة قبل حلولها في الجسد، فهي تذكرها كلما أفاقت من غاشية المادة واتصلت بعالم العقل والروح.
وعند أرسطو أن المعرفة مشاهدة واستقراء وتفكير مبني على المشاهدة والقياس.
ورأي ابن سينا وسط بين الرأيين في هذه المسألة كما هو وسط بينهما في مسألة الكليات، فالمعرفة عنده قسمان: معرفة فكر ومعرفة حدس. فمعرفة الفكر من المشاهدة والقياس، ومعرفة الحدس من فيض العقل الفعال في العقل الإنساني على سبيل الوحي والإلهام.
الطبيب
Shafi da ba'a sani ba