فلا تكون النار نافعة إلا إذا أمكن حصول الضرر منها بالإحراق، ولا يكون السحاب ضارا بحجبه الشمس عنا إلا لتنفعنا في غير هذه الحالة أو من جراء هذه الحالة. وقد يكون الشر نقصا كالجهل والضعف والتشويه في الخلقة، وقد يكون ألما وغما من إصابة أو فوات مطلوب، وكل هذا لا يتأتى اجتنابه في عالم يتسع للممكنات، لأن الشيء الذي هو «ممكن الوجود» ناقص لا محالة. إذا كان قابلا للعدم مترددا بين الوجود بالقوة والوجود بالفعل. فإما أن يوجد هكذا أو يمتنع وجوده كل الامتناع.
فالخير أصيل في العالم والشر عارض من لوازم الخير المتاح للممكنات.
وهو على هذا أقل من الخير في جملته، ولولا ذلك لما كان للعالم قوام «فإن الشر إنما يصيب أشخاصا، وفي أوقات، والأنواع محفوظة، وليس الشر الحقيقي يعم أكثر الأشخاص إلا نوعا من الشر.»
ويقول ابن سينا: «إن الشر إنما يوجد فيما تحت فلك القمر وجملة ما تحت القمر طفيف بالقياس إلى سائر الوجود.» «وليس الخير المحض إلا الواجب الوجود لذاته» ... «أما الممكن الوجود بذاته فليس خيرا محضا لأنه ذاته بذاته لا يجب لها الوجود. فذاته بذاته تحتمل العدم، وما احتمل العدم بوجه ما فليس في جميع جهاته بريئا من الشر والنقص ...»
فعالمنا هذا أفضل العوالم على هذا الاعتبار.
لا يمكن أن يكون خيرا مما هو عليه مع بقاء الممكنات فيه.
ولولا عناية الله به لكان شرا مما هو عليه، ولاختل ما فيه من نظام، وانحل ما فيه من مساك.
ومؤدى ذلك أن الشر عرض، وأن هذا العرض ضرورة لاستكمال الخير، وإنه على هذا قليل في العالم الأرضي إلى جانب الخير الكثير الذي يدل عليه تماسك الموجودات، وأن العالم الأرضي كله طفيف إلى جانب الوجود الشاسع في الأفلاك العلوية والعوالم الغيبية.
وليس في الإمكان أبدع مما كان.
الحرية الإنسانية
Shafi da ba'a sani ba