2
والمتواتر من جملة أخباره أنه كان شديد الإكباب على البحث والمذاكرة، لم يصرف ليلة من عمره بلا درس أو تصنيف، إلا ليلة عرسه وليلة وفاة أبيه، وربما شغله ذلك عن العناية ببزته
3
أو ادخار المال لأيام عوزه،
4
فكان يبذل العطاء لقصاده، ويلام أحيانا على البذل لمن لا يحبونه ولا يكفون عن اتهامه، فيقول: إن إعطاء العدو هو الفضيلة، أما إعطاء الصديق فلا فضل فيه. وقد أعطى مرة رجلا أهانه وحذره من فعل ذلك بغيره؛ لأنه لا يأمن بوادر غضبه.
على أنه كان يسامح في أمر نفسه ولا يسامح في أمر غيره، ومن ذاك قصته مع الشاعر ابن خروف حين هجا أبا جعفر الحميري العالم المؤدب؛ فقد أوجع الشاعر ضربا وأنذره ألا يعود لمثلها، ولو كان عفوه عن المسيئين إليه من قبيل المداراة لكانت مداراة الشعراء الذين يهجون غيره أقرب وأحجى.
5
وأثر عنه في قضائه أنه كان يتحرج من الحكم بالموت، فإذا وجب الحكم أحاله إلى نوابه ليراجعوه، وقد اجتمع له قضاء الأندلس والمغرب وهو دون الخامسة والثلاثين .
ولم يذكر قط عن القاضي الفيلسوف خبر من أخبار التبسط لمجالس اللهو والطرب مما استباحه جملة أبناء عصره، ومنهم طائفة من العلماء والحكماء، بل كان يتعفف عن حضور هذه المجالس، وبلغ من تعففه عما لا يراه خليقا بعلمه ومكانه من القضاء أنه أحرق شعره الذي نظمه في الغزل أيام شبابه، وعلى هذا كان يحفظ الجيد من الشعر ويرويه في مواطن الحكمة وشواهد المثل. وحكى عنه أبو القاسم بن الطيلسان أنه كان يحفظ شعري حبيب
Shafi da ba'a sani ba