Ibn Rumi: Rayuwarsa Ta Wajen Waƙoƙinsa
ابن الرومي: حياته من شعره
Nau'ikan
بارزا وجهها بغير لثام!
صبحوهم فكابد القوم منهم
طول يوم كأنه ألف عام
ودرجت الأحوال على ذلك، فلم يكن يهونها على الناس إلا اتساع أرجاء البلاد الإسلامية، وتفرق الفتن في تلك الأرجاء، وإلا فترات من القوة يتاح فيها للدولة في الحين بعد الحين خليفة حازم الرأي، نافذ العزيمة، فتسكن غوارب الفتنة بعض السكون، ويستقيم الولاة والعمال بعض الاستقامة، وتعلو هيبته، فيخشاه المغيرون على الدولة من داخلها وخارجها، وتفيء الرعية إلى ظله زمنا حتى يحم أجله، فتعود الأمور إلى ما كانت عليه؟
الحالة الاجتماعية
تنتهي الفوضى السياسية - إذا تطاول بها الزمن - إلى الخراب والعسر ونضوب الأرزاق بين جميع الطبقات عاليها وهابطها على السواء، ولكن الفوضى لا تمنع الترف إذا هي جاءت في البداءة، أو ترددت في الفترة بعد الفترة ولم يطل بها زمن التخريب والإفساد، فلا يندر أن يجتمع الترف والفوضى في طبقات من الدول المتداعية، التي ورثت السلطان القديم والثروة الواسعة ومظاهر الحضارة وأفانين المعيشة الفاخرة، بل كثيرا ما تكون الفوضى من أسباب الترف والمغريات به؛ لتعويدها النفوس أن تخلد إلى الدعة واغتنام اللذة، وأن تحجم عن المساعي الجليلة والآمال الرفيعة يأسا من كل غاية، وشكا في مصير كل نعمة، وعلما بأن الحياة لا تجري على وتيرة، ولا تنتظم في سياق.
وكذلك كان القرن الثالث للهجرة قرن الفوضى والترف، أو قرن الخطر و«التسلية»، بلغ فيه كلاهما مبلغه، وسرت إلى العصر جرائر العصور الأولى، فجنى ثمارها خللا في السياسة، وبذخا في المعيشة، وحياة كحياة الجند ليلة الحرب كلها قصف، وكلها استسلام.
ورث القرن الثالث حضارات العرب والفرس والروم، وأساليب اللهو في هذه الأمم، وفي الأمم التي اتصلت بها من ترك وهند وصين، وتجمعت الأموال المستحيرة في أيدي الأمراء وجباة الخراج وأصحاب التجارات الغادية الرائحة في البر والبحر بما تستدعيه ضرورات العيش، ونوافل الشهوات، فكثر المترفون المنعمون، وشاعت فنون الخلاعة والمجون، وأصبح لكل ضرب من ضروب اللهو علم يعرفه علماؤه، ويقرب أهله إلى الخلفاء وذوي الرئاسة، حتى الرقص وما إليه، فضلا عن الغناء والسماع.
نقل المسعودي في مروج الذهب أن الخليفة المعتمد قال لبعض من حضر من ندمائه: «صف لي الرقص وأنواعه، والصفة المحمودة من الرقاص، واذكر لي شمائله، فقال المسئول: يا أمير المؤمنين، أهل الأقاليم والبلدان مختلفون في رقصهم من أهل خراسان وغيرهم، فجملة الإيقاع في الرقص ثمانية أجناس: الخفيف والهزج والرمل وخفيف الرمل، وثقيل الثاني، وخفيفه، وخفيف الثقيل الأول وثقيله، والرقاص يحتاج إلى أشياء في طباعه، وأشياء في خلقته، وأشياء في عمله، فأما ما يحتاج إليه في طباعه فخفة الروح، وحسن الطبع على الإيقاع، وأن يكون طالبه مرحا إلى التدبير في رقصه والتصرف فيه، وأما ما يحتاج إليه في خلقته فطول العنق والسوالف، وحسن الدل والشمائل والتمايل في الأعطاف، ودقة الخصر، وحسن أقسام الخلق ... ومخارج النفس والإراحة، والصبر على طول الغاية، ولطافة الأقدام ... ولين المفاصل، وسرعة الانفتال في الدورات، ولين الأعطاف، وأما ما يحتاج إليه في عمله، فكثرة التصرف في ألوان الرقص، وإحكام كل جزء من حدوده، وحسن الاستدارة وثبات القدمين على مدارهما، واستواء ما تعمل يمنى الرجل ويسراها حتى يكون في ذلك واحدا. ولوضع القدم ورفعها واجبان: أحدهما أن يوافق بذلك الإيقاع، والآخر أن يتثبط به، فأكثر ما يكون هو فيه أمكن وأحسن، فليكن ما يوافق الإيقاع، فهو من الحب والحسن سواء، وأما ما يتثبط به فأكثر ما يكون هو فيه أمكن وأحسن، فليكن ما يوافق الإيقاع مترافعا، وما يتثبط به متسافلا.»
وقس على ذلك سائر ضروب اللهو والترف حتى انتهى القرن وأقبل ما بعده، وللقوم في آداب المجالس وآداب المائدة ما لم نسمع بمثله عن رومة وبيزنطة، فكان من رؤسائهم من لا يأكل لقمتين بملعقة واحدة، كما قيل عن الوزير المهلبي: إنه «كان من ظرفه في فعله ونظافته في مأكله أنه إذا أراد أكل شيء بملعقة، كالأرز واللبن وأمثاله، وقف في جانبه الأيمن غلام معه نحو ثلاثين ملعقة زجاجا مجرودا - وكان يستعمله كثيرا - فيأخذ منه ملعقة يأكل بها من ذلك اللون لقمة، ثم يدفعها إلى غلام آخر قام في الجانب الأيسر، ثم يأخذ أخرى يفعل بها فعل الأولى، حتى ينال الكفاية؛ لئلا يعيد الملعقة إلى فيه دفعة ثانية.»
Shafi da ba'a sani ba