253

Ibn Rumi: Rayuwarsa Ta Wajen Waƙoƙinsa

ابن الرومي: حياته من شعره

Nau'ikan

نفذوا بسورتها من الأقطار

21

أو قصروا فتناولوا بأكفهم

قمر السماء وكل نجم سار

وكأن الفارسية هنا تسربت إلى أقوال المعتزلة كما تسربت إلى كثير من أفكار الثقافة العربية، فإن القول بالطبيعتين من أقدم ما عرف من ديانة الفرس قبل أديان بني إسرائيل، وقبل النصرانية والإسلام، فلما جاء التوحيد الإسلامي أبطل التثنية، ولم يبطل النزاع بين الخير والشر، والنور والظلام، فجاز للمسلم أن يؤمن بالطبيعتين على أن يؤمن بالوحدانية، ولا يشرك الشر في تدبير الوجود.

وإلى هنا تكلمنا عن مذهبه، ولم نتكلم عن «فطرته الدينية» أو عن قوة الإيمان في نفسه.

والفرق بين الأمرين لا يحتاج إلى شرح طويل؛ فإن الناس قد يختلفون في المذهب أبعد اختلاف، ويتفقون في «الفطرة الدينية» أقرب اتفاق، فربما رأيت ألف رجل يدينون بكل مذهب في فجاج الأرض، وهم على الرغم من ذلك أصحاب «فطرة دينية واحدة»، مطبوعون على حماسة الدين، أو مطبوعون على حب التقديس والعبادة، يتفقون في هذه الفطرة، ويخرج كل منهم إلى معبده، فإذا واحد منهم ذاهب إلى المسجد، والثاني إلى الكنيسة، والثالث إلى البيعة، والرابع إلى بيت الأصنام، أو يتفقون على هذه الفطرة ويخرج كل منهم إلى قتال الآخرين بتلك الغيرة القوية التي يقاتله بها أولئك الآخرون؛ فالفطرة الدينية توجد في أنصار كل مذهب وملة، أما المذاهب والملل فلا نهاية لها في التعدد والافتراق.

وابن الرومي كان مفطورا على التدين؛ لأنه كان مفطورا على التهيب والاعتماد على نصير، وهما منفذان خفيان من منافذ الإيمان، والتصديق بالعناية الكبرى في هذا الوجود، ومن ثم كان مؤمنا بالله خوفا من الشك، مقبلا على التسليم، بسيطا في تسليمه بساطة من يهرب من القلق، ويؤثر السكينة إلى شيء من الأشياء. وبلغ من بساطته أنه كان ينكر على الحكماء شكهم في حفظ أجساد الأتقياء بعد الموت، وحسبانه من فعل الدواء والحنوط، فقال لابن أبي ناظرة حين تذوق بعض الأجساد ليعلم ما فيها من عوامل البقاء:

يا ذائق الموتى ليعلم هل بقوا

بعد التقادم منهم بدواء

Shafi da ba'a sani ba