Ibn Rumi: Rayuwarsa Ta Wajen Waƙoƙinsa
ابن الرومي: حياته من شعره
Nau'ikan
فالنفس المطبوعة على ذوق الجمال تفرح وتتهلل للمناظر الجميلة السوية، وتنفر وتنقبض من المناظر الدميمة الشائهة، ويصاحب الفرح الإقبال والاستبشار والرغبة، ويصاحب النفور الحزن والإنكار والتشاؤم والكراهة، وليس أقرب من المسافة بين النفور والطيرة إذ دق الحس وغلب عليه الحذر، وأصبح الانقباض عنده نذيرا يثنيه ويقتضب عليه طريق أمله.
أما تداعي الخواطر فصاحبه أبدا يستخرج من الكلمة أو الفكرة غاية ما تؤدي إليه، وتنقلب عليه، ومتى كانت طبيعته الحذر ومزاجه مركبا على التشاؤم، فليس أسهل من اتجاه خواطره السريعة إلى حيث ألفت طبيعته واستمر مزاجه.
فلكل كلمة عنده سر، ولكل سر مخافة، ويسير عليه أن يعرف ذلك السر، ويكشف تلك المخافة؛ لأنه سريع حركة الذهن يتنقل كومضة البرق بين المعاني ومشابهاتها ومناقضاتها، وبين الكلمات وما يجانسها ويشاكل حروفها وأوزانها، فلا يشق عليه أن يعثر بطلبته الموافقة لنزعة طبعه، ومتوجه ذهنه عند معنى من تلك المعاني، ومشاكلة من تلك المشاكلات.
وذوق الجمال وتداعي الخواطر كانا في ابن الرومي على أدق وأيقظ ما يكونان في إنسان؛ كانت له عين خاطفة تلتهم الألوان والأشكال التهام الجائع المنهوم الذي لا يشبع، وقد عرفنا أمثلة من ذلك في دقة تشبيهاته، وإحكام صوره، وغرابة التفاته إلى مواقع للنظر لا يلتفت إليها شاعر غيره. وسنعرف أضعاف ذلك عند الكلام على عبقريته وفنه وأسلوبه في تناول الحس وتصويره.
ثم كان مع هذه النظرة الخاطفة يشنأ القبح، ويحسبه ذنبا يعاف ويستر، وكان يبالغ في إخفائه من نفسه إذا ابتلي به، كما كان يبالغ في إخفاء صلعه، والسخط على من يسألونه عنه! فالقبح عنده شر أو نذير بالشر، ولا يرى الأحدب أو الأعور أو الخصي أو الأشقر الذي يحكي لون وجهه لون الجلد المسلوخ، أو غيرهم من المشوهين الخارجين عن سواء الخلقة إلا انقبضت نفسه، وأسرع إليه ما يلازم الانقباض من التوجس والحذر والوجوم.
وتداعي الخواطر ملحوظ في جميع شعره لا يستدل منه بغرض دون غرض، ولا بقصيدة دون قصيدة، فهو يسلسل المعنى ويشعبه حتى يستنفد، وكلما عن له خاطر لحق به ما يقاربه وما يناسبه حتى تبطل المناسبة، ويضطر إلى الوقوف. هذا في المعاني. أما في الألفاظ فإنه يغوص في تصحيف حروفها مثل هذا الغوص، ويستخرج البعيد والقريب من رموزها وقراءتها، ويستنبط منها ما يشاء من ملامح اليمن والشؤم، ودفائن المدح والذم، فجعفر عنده تساوي «جاع وفر»، والخان يذكره بالخيانة.
فكم خان سفر خان فانقض فوقهم
كما انقض صقر الدجن فوق الأرانب
ويلعب بتصحيف الكلمات في السمع والخط أحيانا لينقلها إلى المدح أو الهجاء، فيقول في القيان:
لا تلح من تفتنه «قينة»
Shafi da ba'a sani ba