ولكم في القصاص حياة ، و«إنما الأعمال بالنيات»، و«اطلب الموت توهب لك الحياة»، و«قيمة كل امرئ ما يحسن»، و«الشجاع موقى»، وقول بعض الأعراب:
ما غاض دمعي عند نائبة
إلا جعلتك للبكا سببا
ومثل ذلك كثير لا محل لاستقصائه هنا، ولقد روي عن ابن المقفع نفسه أنه بدا له أن يعارض القرآن، فلما وصل إلى قوله تعالى في سورة نوح:
وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين ، قال: هذا ما لا يستطيع البشر أن يأتوا بمثله.
ولا يخفى أن الإسهاب والإيجاز أمران اعتباريان بالنسبة لكل عصر، فابن المقفع مسهب بالنسبة لمن تقدمه من البلغاء، موجز بالنسبة لمن أتى بعده من الكتاب، ولكن إيجازه غير إيجاز العرب الخلص الذي سبقت إليه الإشارة.
وكلام ابن المقفع مع اتساقه وتساوقه وجريه مع الطبع يسهل تارة ويجزل أخرى، كقوله وفيه من القوة والمتانة ما فيه: «وقد أصبح الناس إلا قليلا ممن عصم الله مدخولين منقوصين، فقائلهم باغ وسامعهم عياب وسائلهم متعنت ومجيبهم متكلف، وواعظهم غير محقق لقوله بالفعل، وموعوظهم غير سليم من الهزء والاستخفاف، ومستشيرهم غير موطن نفسه على إنفاذ ما يشار به عليه ... إلخ.»
أما أثره في الإنشاء العربي فعظيم جدا، يدلنا على ذلك إقبال الناس على آثاره بالقراءة والحفظ والنظم والمعارضة منذ القرن الذي عاش فيه كما مر ذلك عند الكلام على كليلة ودمنة، ولا تزال آثاره الباقية حتى الآن حية تقرأ وتدرس وتستظهر بشوق ولذة مع قدم عهدها، وستبقى خالدة ما بقيت العربية، ولا يزال أسلوبه مثالا عاليا في الإنشاء يحتذيه كثير من الأدباء ويدعو إليه، وهذه مزية لم تتح لغيره من كتاب العربية، وأكاد أقول: من كتاب سائر اللغات.
شعره
لابن المقفع شعر قليل وصفوه بالجودة، وهو معدود من شعراء الكتاب المقلين، ولكنه كان لا يرتضي شعر نفسه، قيل له: لم لا تقول الشعر؟ فقال: الذي أرضاه لا يجيئني، والذي يجيئني لا أرضاه، ولم يبق من شعره إلا أبيات قليلة، منها ثلاثة أبيات رثى بها صديقه يحيى بن زياد الحارثي، رواها أبو تمام الطائي في كتاب الحماسة، وهي:
Shafi da ba'a sani ba