شفيت الصدور فإذا كانت القضية قد أقيمت على يسوع، وكان القبض عليه قد تم عن غرض وفي الظلام، فإن جميع أولئك يشعرون بأن النبي دان نفسه بنفسه وفقا لأحكام الشرع؛ فهو قد اقترف جرم الخيانة العظمى تجاه شعب الرب، فليكفر عن حبوط عمله إذن! حقا لقد حكم على كثير من العظماء الخائنين وعلى كثير من الأنبياء بالإعدام، فقتلوا قبل يسوع الناصري وبعده كما تأمر الشريعة، فأقيمت التماثيل، ووضعت الأناشيد بعد زمن تعظيما لهم، وتخليدا لذكراهم.
ذهب ما يجب أن يكون للمحكمة من كريم المقام والشرف أدراج الرياح؛ فقد نسي أن الشريعة تأمر بالصوم والندب قبل التنفيذ، وأما يسوع فقد تهافت الناس حوله مستهزئين ضاربين كمن يود أن يمتحن ضعفه، ثم دفع بعنف واحتقار إلى خارج القاعة؛ لكي ينتظر هنالك أخذه في الصباح إلى محكمة بيلاطس.
ومن بين التلاميذ ندم بطرس على عار الفرار؛ ففي وقت الفجر يرى اتباع معلمه فينساب من بين الأرصفة، فيجد الخدم جالسين حول النار في ساحة دار رئيس الكهنة ذاكرين حوادث الليلة، فيدنو منهم ليتسقط بعض الأخبار، فترد بغتة خادمة كانت تمازح الخدم. وهذه الخادمة كانت قد نظرت النبي في الهيكل فتعرف الآن تلميذه، فتقول له: «وأنت كنت مع يسوع الجليلي!»
فيقول بطرس: «لست أعرفه، ولست أدري ما تقولين!»
وينتبه الخدم لذلك، فيجر أحدهم الغريب قريبا من النار ليتبين وجهه فيقول: «ألم أرك في هذه الليلة معه في البستان؟»
فيقول بطرس: «يا إنسان، لست أنا.»
ويعرف شخص ثالث لغة أهل الجليل فيقول اتفاقا: «حقا أنت منهم؛ لأنك جليلي، ولغتك تشبه لغتهم.»
ويصر بطرس على الإنكار، ويلعن ويحلف ويكرر قوله: «إني لا أعرف هذا الرجل.»
ويتفلت بطرس منهم خائفا يترقب ، فيسير إلى الباب فيسمع من خم صياح ديك، فيتذكر قول المعلم فينصرف باكيا.
ويساق يسوع المحكوم عليه في الصباح إلى مجمع اليهود الكبير «السنهدريم»، ويستمع هذا المجمع إلى خلاصة أقوال الشهود وأقواله، فيوافق على حكم المجمع الصغير في الليل، فترفع الجلسة ويستعد للذهاب إلى الوالي الروماني الذي لا بد من إجازته لأحكام الإعدام كي ينفذها، ويتوجه موكب السبعين إلى برج أنطونيا ويتوسطه يسوع موثقا. •••
Shafi da ba'a sani ba