وما أكثر من تابوا في الجليل لما سمعوه منه؛ فقد عدل عشارون بفضله عن مهنتهم الآثمة، وأتته البغي مريم المجدلية باكية، فاقتبست منه نوعا جديدا للحب. وفي هذا الصباح، يجد كاتب الحق بجانبه فيعترف بغلبه، والآن ينفذ كلامه العذب في قلوب هؤلاء القابضين على تلك الأثيمة الراغبين في قتلها، فيجد كل واحد منهم خطيئة لم يكفر عنها، فلا يجرؤ على رفع حجر ليرجمها به فيتركونها، وينفضون بهدوء كما لو كان كل واحد منهم يود أن يخفي نفسه عن الآخرين، ويظل النبي وحده والآثمة واقفة أمامه.
هنالك ينتصب يسوع ويسأل ما رأى تفرق أولئك مع شعور كل واحد منهم بخطيئة اقترفها: «أين هم أولئك المشتكون عليك؟ أما دانك أحد؟»
فقالت: «لا أحد يا سيد!»
ويذهل عن شأنه الجديد وينطفئ فيه شعوره بأنه المسيح طرفة عين، فيحس أنه ابن إنسان كالآخرين، فيخاطبها بالكلمة ذات المعنى الخفي: «ولا أنا أدينك، اذهبي ولا تخطئي أيضا!» •••
أشك في نفسه، أم إن جو أورشليم الجاف استنزف معين خياله؟ مضت ثلاثة أيام من غير أن يحدث شيء خلا مجادلات حول بعض الكلمات والعادات، فأين معجزاته؟ وأين ينبوع المحبة الذي ود تفجيره بضربه تلك الصخور الجديبة كما فعل موسى في حوريب؟ يقول تلاميذه: إن الشعب تحرك قليلا فكان فريق قائلا له وفريق ضده ، وأسفر العيد وانصراف أذهان الأجانب إلى ألف طرفة وطرفة عن نسيان سابق مكافحته للتجار، ولم يقع ما يستفز الإيمان، أو يحرك في النفوس حب الاطلاع، فلاح بعد الهدف، وتبدد دور الرجاء والخوف.
يتوجه إلى الهيكل للمرة الرابعة، ويرى أن يكون هو واضع السؤال في هذه المرة؛ ليعلم وجود أناس من غير تلاميذه يؤمنون برسالته، وكان قد اغتم حين سأل تلاميذه أمام كهف إله الرعاة بالقرب من قيصرية فيلبس عن رأيهم في حقيقة أمره، واليوم يغتم أكثر مما في ذلك اليوم؛ لما يراه من مخاطبة الفريسيين، لا تلاميذه، حول المسيح، ويلبس سؤاله شكلا ملائما للمناظرات الدينية فيقول: «ماذا تظنون في المسيح؟ ابن من هو؟»
فيقولون: «ابن داود!»
فيقول: «كيف يدعوه داود بالروح ربا قائلا: قال الرب لربي: اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئا لقدميك، فإن كان داود يدعوه ربا؛ فكيف يكون ابنه؟»
لم يجب أحد عن السؤال، بيد أن الفريسيين الذين هم على شيء من الفطنة والذكاء استنبطوا من السؤال أن يسوع يشعر في نفسه بأنه هو المسيح، وبأن ولادته في الجليل وعدم اتصال نسبه بداود مما يقف حجر عثرة في طريقه، وأنه ينتظر اعتراضا عليه، فيحاول أن يحرف معاني النصوص القديمة ما تأصل فيه إيمانه بأنه المسيح مع قليل شك في أنه هو.
ولكن يسوع إذ لاحظ صموتا ولم يسمع جوابا، وكان قادرا على قراءة أفكار الناس من وجوههم، فلم يجد عطفا عليه في عيون الجمع، وكان تعبا من الصد والرد بين جماعة معادية، فيتلمس مخرجا على غير جدوى، رأى أن يكافح كفاح اليائس فيهاجم.
Shafi da ba'a sani ba