وإليك عصبة من الأولاد في الرواق محبة للشغب غير خائفة، فيسير هؤلاء الأولاد في الرواق طليقين من غير أن يزعجوا، ويدنو أشجعهم من يسوع الوحيد هنالك فتعلو وجه يسوع بشاشة كالتي يقابل بها الصبيان والنساء عادة، ويحتضن أحدهم وهو لا ريب من الذين شاهدوا دخوله أورشليم فسمع الأناشيد فأنشد مع الآخرين، وهو لا ريب قد عرف في يسوع الراكب على الأتان، فهنالك يرتل برفق وتردد قوله في الطريق: «أوصنا، مبارك الآتي باسم الرب!» فيشاركه رفقاؤه في إنشاده عن كيد على ما يحتمل: «أوصنا في الأعالي!»
والآن يستمع يسوع لنداء فؤاده مرة أخرى، فيبتعد عنه الحلم الهائل بغتة، ويهده الهجوم الأول الذي قام به كمكابي يشتعل قلبه بنار ربانية، فلا يبقى لديه من القدرة ما يستطيع به متابعة القتال، ويسر يسوع المعلم المرشد أن يجد في أولئك الأولاد حين يكلمهم موضع لطفه، وأن يكون ملكهم ما دام ملكوت السماوات لهم.
وفيما هو كذلك إذ ينهض فجأة فيهرب كأولئك الذين هزمهم، ليجد بعض تلاميذه، فيغادر الهيكل مسرعا نازلا من جبل الزيتون قاصدا أصحابا يعنون به في بيت عنيا. •••
في صباح الغد يحفز أمر جديد يسوع إلى المدينة إلى الهيكل، فهل سأل أباه ليلا؟ وهل اشتدت عزيمته برؤية تلاميذه وأصحابه وما سمعه عن أثر عمله بالأمس، فوجد ما يدعوه إلى استئناف الجهاد؟ يجد يسوع في رسالته ما يثبت فؤاده فيدعه إلى مواصلة الكفاح دعا، فيجب أن يمثل الدور المنصوص عليه في التوراة حتى النهاية إذن! أجل قد يكون أعداؤه أمهر منه، ولكن ليثبتوا ذلك أمام الشعب بأسره إذن!
ويكلل بنجاح باهر هجوم ذلك الذي اجتذبه الفريسيون إلى أورشليم فانتظروه فيها، وينال هذا الغريب صوت الشعب إذا لم يكن أخرق، فيقف في منتصف الطريق ما كان هذا الشعب متقلبا عادم الثبات، كما دل عليه أمره بعد ثلاثين سنة مرة أخرى، ويوجه الله خطوات هذا الغريب إلى خارج الهيكل لتكون الشريعة سالمة. وليس من الحكمة اتهام هذا الغريب من أجل زلة، وإن أمكن إثبات حق الصيارفة والتجار في وجودهم هنالك مع مواشيهم ونقودهم، ولكن رجلا من هذا الطراز يفترض خطره على الكهنوت، فيجب إيقاعه في شرك إلحاده، وعده مجدفا على الناموس.
ويسوع حين يعود في هذه المرة إلى الهيكل مع بعض تلاميذه يتجنب التجار في الرواق الغربي، فيبدو في هذه المرة معلما لا سلفيا، ويعرفه الكثيرون ولا يهاجمه أحد، ويمتدحه غير واحد سرا، ويجيء إليه بعض الأحبار ويحيونه بأدب، ويجلسون بين الآخرين، وتتألف حولهم حلقة من المستمعين ما علم أنهم سيناظرونه في التلمود، ويتساءل القوم عن معرفة نبي الجليل شيئا آخر غير كفت الموائد بيد قوية، وهزم الباعة والأنعام، ويسأله الأحبار عن شتى المواضيع، ثم يسأله بعضهم عن فعلته تلك بقوله: «بأي سلطان تفعل هذا، ومن أعطاك هذا السلطان؟»
وهل كان يسوع منتظرا هذا السؤال؟ يعلم يسوع أن الرب في حكومة الكهنوت مصدر السلطة، وأن انتحال سلطان الرب مما يصعب إثباته. ويسوع إذ كان يحذق الجدل في أمور الشريعة يحول السؤال بسؤاله: «وأنا أيضا أسألكم كلمة واحدة، فإن قلتم لي عنها أقول لكم أنا أيضا بأي سلطان أفعل هذا : معمودية يوحنا من أين كانت؟ من السماء أم من الناس؟»
ويسكت ويفكرون في أنفسهم قائلين: «إن قلنا من السماء يقول لنا: فلماذا لم تؤمنوا به؟ وإن قلنا من الناس نخاف من الشعب؛ لأن يوحنا عند الجميع مثل نبي.»
فيرون من الحكمة إذن أن يصمتوا، وأن يكون جوابهم: «لا نعلم.»
فينظر يسوع إليهم ساخرا قائلا: «ولا أنا أقول لكم بأي سلطان أفعل هذا.»
Shafi da ba'a sani ba