وراقه رجل يوما فقال له باختصار: «اتبعني!» فقال له هذا الغريب: «يا سيد، ائذن لي أن أمضي أولا وأدفن أبي!» فقال له يسوع: «دع الموتى يدفنوا موتاهم، وأما أنت فاذهب وناد بملكوت الله.»
وأراد أحدهم أن يودع أبويه قبل أن يتبعه فتركه حيث هو قائلا بازدراء: «ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت الله.» وعاد يسوع لا يكون ذلك الرجل الذي يلوم الفريسيين على منعهم الابن من العناية بأبيه وفق تعاليمهم.
ولم يتورع يسوع عن تهديد أمه في مكان عام؛ فقد أرادت أمه وإخوته ذات مرة ردعه عن سلوكه سبيل الخطر، فأرسلت إليه أمه من يخبره بأنها راغبة في محادثته، فخاطب تلاميذه قائلا لهم بحدة: «من هي أمي؟ ومن هم إخوتي؟» ثم مد يده إلى تلاميذه وقال: «ها هي أمي وإخوتي؛ لأن من يصنع مشيئة الله هو أخي وأختي وأمي.»
ويعود يسوع بين حين وحين إلى حكمة ماضيه المرح؛ فقد سمع تلاميذه في نزهة يتحاجون في من هو أعظم في ملكوت السماوات، فيجلس على صخرة في حافة الطريق كاتما ما تورثه تلك المجادلة الغليظة فيه من خيبة الأمل، فينادي ولدا كان يلعب على قارعة الطريق فيحتضنه ويخاطب تلاميذه قائلا: «الحق أقول لكم: إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد فلن تدخلوا ملكوت السماوات، فمن وضع نفسه مثل هذا الولد فهو الأعظم في ملكوت السماوات.» •••
تدوي أصوات العيد في قلعة مخيروس؛ فقد دعا هيرودس قادة الجيش وأكابر الموظفين والأعيان إلى الاحتفال بعيد ميلاده جاهلا ماذا يحاك في غيابه.
ما فتئ رؤساء الكهنة بالقدس يحرضون هيرودس على قتل يوحنا المعمدان الذي هو سجين في ديماس
4
واطئ فيزيد شهرة منذ إساره؛ لما يرونه في ذلك من إرهاب تلميذه يسوع الناصري الذي يسير على غراره بما هو أشد خطرا كما يظهر، ولكن هيرودس رفض ذلك حتى الآن؛ فهو يعلم - كقطب سياسي - ما للشهيد من سلطان، وهو يتذوق كفيلسوف محادثة حكيم. وهذا إلى خوفه مغبة قتل لا ينفع أحدا.
وتزيد هيروديا عن زوجها حقدا وجسارة وحرصا، فتنصت لنصائح مجلس اليهود الكبير «السنهدريم»، وهيردويا هذه وإن لم تشعر بأن زواجها في خطر بفعل ذلك الأسير، ترى في الصورة التي ينظر بها إلى زواجها ما يجرحها في الفؤاد، ويعرف الفريسيون والصدوقيون هذا فيوجهون نزقها إلى تنفيذ مآربهم السياسية، وتجعل هيروديا لابنتها سالومة إصبعا في حوك الدسيسة ما كانت فتاة بعد وفاة زوجها المسن فيلبس، وما كانت تطفح حياة، وما وصلت شهرتها في الرقص إلى رومة.
هيأت الأم ابنتها، وترقص الابنة في قاعة الوليمة أمام الضباط والموظفين، وترقص على الخصوص من أجل هيرودس الذي يخيل إليه حين يراها وهي ابنة زوجته رجوع صباه إليه، ويحل منتصف الليل ويتكئ هيرودس إلى المائدة بفعل الخمر، ويسمع هتافات الإعجاب، ويرى التماع عيون الندماء، وغض أبصار العبيد، ويرى ربيبته تلك ترقص عارية على أنغام المزمار والصنج ذي الأوتار، فتتحرك فيه شهوة العطاء التي لا يخلو قلب شرقي منها، ويتنبه فيه حب عرض قدرته وثروته على حاشيته تقديرا للجمال. ومن المحتمل أن حثت هيروديا زوجها على إكرام ابنتها ملكة السهرة بسخاء مع امتعاضها عادة من عرض فتنة ابنتها هذه على زوجها التعب، ومن المحتمل أن فكر زوجها في أستير ذات الحظوة لدى الشعب، فرغب في نسج أسطورة لنفسه، فخاطب الراقصة سالومة بكلمات أحشويروش: «مهما طلبت مني لأعطينك حتى نصف مملكتي.»
Shafi da ba'a sani ba