بمثل هذا يحدث يسوع صاحبين أو ثلاثة أصحاب له فينصتون له، فينقلون ما سمعوه إلى أناس آخرين، ويأتي إليه بعض الناس في مساء الغد فيذكرونه بذلك الحديث، وهو إذ يجلس على عتبة البيت الصغير؛ حيث تقوم أمه بشئون المنزل، يستمع إلى نداء ضميره، ويسهل عليه اتخاذ التوراة نقطة ارتكاز بعد أن عرف ما في قديم الكتب وحديثها. ومن المحتمل أن تكلم يسوع في ذلك المساء عن الحبر الفاضل هلل الذي مات أيام كان يسوع صبيا، فذكر قوله: «لا تعامل غيرك بما لا تحب أن يعاملوك به.» وذكر أن هذا مما ورد في كتاب طوبيا مع ذلك، واليوم ألقيت مقاليد مجمع السنهدريم القضائي بأورشليم إلى تلاميذ شمعي العابسين الزاهدين القائلين: «أحرى بالإنسان ألا يكون قد ولد.» أفلا ترى الحنث
7
في هذا ما أنعم علينا بما نتأمل به الشمس والجبال والحملان والأولاد والأزهار؟
وفي الغد ينضم مستمعان إلى الآخرين، فيجلس هؤلاء جميعهم حوله فينصتون له، كما كانوا ينصتون لرجل من الشعب، فيلتهب حماسة التهاب الأنبياء، فيختار من كلامهم ما يلائم أفكاره، فيذكر قول إشعياء على لسان الرب: «لماذا لي كثرة ذبائحكم؟ ... اتخمت من محرقات كباش وشحم مسمنات ... البخور هو مكرهة لي ... أيديكم مملوءة دما ... تعلموا فعل الخير، اطلبوا الحق!» ثم يردد يسوع قول الرب في سفر هوشع: «إني أريد رحمة لا ذبيحة.» فيشعر بأن هذا شعاره.
وفي مساء اليوم الرابع، لم يجده مستمعوه؛ فقد قصد الجبل وحده؛ ليلقي السكينة إلى قلبه ما تأجج ضد الكهنة، وما خشي أن يزيد سعيرا، ففي الجبل ما يهدأ به فؤاده، وفي غاب الجبل يسمع عزيفا، وفي المساء ينشر الزنبق البري رائحة ذكية، وفي البعد ترى مدينة شكيم «نابلس» حيث مقر الأنبياء فيما مضى.
هنالك ترى يسوع مستلقيا فوق الكلأ، وتراه ناظرا إلى النجوم، وترى قلبه مفعما بحب الأب. •••
علم ذلك النجار الشاب المشترع قيام مذهب بلا ضوضاء بين الأحزاب المتناجزة في جميع البلاد، ولم يكن من مقاصد أتباع هذا المذهب المعروف بالطريقة الآزية السعي في إصلاح البلد، أو الكنيس، أو إقناع إنسان، بل العيش الهانئ فيما بينهم فقراء أطهارا. ويبلغ عدد هؤلاء الآزيين أربعة آلاف رجل وامرأة، وظاهرتهم أنهم من الشيوعيين الأتقياء فلا يكافحون الغنى والفريسيين، ولا يغضبون إنسانا؛ وإنما يعملون بمبادئ محبة الأقربين وشيوع الأموال التي بشر بها الأنبياء، وهم ليسوا من الكهنة مع ذلك؛ وإنما هم من العمال والفلاحين والرعاة والنحالين، وما كانوا ليحرموا على أنفسهم غير المهن الرجسة، فلا يكون أحدهم تاجرا أو ملاحا أو حدادا.
يسوع يشفي.
وعلى من يصبح آزيا أن يجعل ما عنده من عروض ونقود ملك زمرته، وعلى من يكسب أكثر مما يحتاج إليه أن يسلم الزيادة إلى هذه الزمرة، فينال كل واحد من أفرادها ما يعوزه مبادلة من حيث النتيجة. ولكل واحد من هؤلاء أن يتصرف فيما يملك كما يشاء في سبيل الفقراء، لا في سبيل الأقرباء، ولتلك الزمرة وحدها أن تقرر كيفية استعمال المال المشترك، والكلمة الأخيرة في مباحثاتها للسن والأكثرية، وهي التي تقوم على مبدأ «إن ما أملك وما تملك هما لك».
قامت تلك الزمر في حدود الصحراء، ثم اقتربت خطوة خطوة من المراكز الزاخرة بالسكان، وهي تعيش في الأرياف أو في المدن الصغيرة تبعا لما تقتضيه الأعمال اليومية المباحة، فإذا ما ساح أناس منها في أية ناحية من بلاد إسرائيل وجدوا إخوانا من أبناء طريقتهم يقومون بقضاء احتياجاتهم، ما ابتعدوا عن مسائل السياسة والدولة والهيكل التي تفرق بين بني إسرائيل وما بدوا يهود.
Shafi da ba'a sani ba