Ibn Hazm: His Life, Era, Views, and Jurisprudence
ابن حزم حياته و عصره آراؤه وفقهه
Mai Buga Littafi
دار الفكر العربي
Inda aka buga
القاهرة
أقوال صارمة ، وجدل غلب فيه الإفحام والإلزام، وصال وجال، وعاضد أقوال الظاهرية بأقوال بعض الأئمة إن وجد فيها نصيراً، وأفاض في شرح فقه الصحابة والتابعين، وأخرج من ذلك كنوزاً نافعة، وكشف عن معين لا ينضب ماؤه، ولا ينقطع وراده، واستخرج من ذلك الخضم الزخار من الآثار السلفية نفائس انفرد باستخراجها وكشفها.
فكان لا بد بعد أن تكلمنا في فقه الأئمة الأربعة ومن قاربهم أن نتجه إليه؛ لنعرف ما جاء به، ولنبين النوع الذي أمد به ينابيع الفقه الإسلامي، واللون الذي اختص به من بين جمهورهم.
وإن ابن حزم فوق أن فقهه لون من الاستنباط غير ما عليه الأئمة الأربعة، ومن قاربهم هو في شخصه نوع منفرد بين الفقهاء، فهو الباحث والمحدث المجيد، وهو عالم الملل والنحل المجادل فيها الأريب، وهو الشاعر الثائر، الذي يقارب بشعره فحول الشعراء، ويمتاز نثره بالبراعة في المعنى، وجودة الخيال، ونصاعة اللفظ وإشراق الأسلوب، ويجمع فيما كتب من نثر فني بين جودة التعبير، وحسن التصوير، وسلامة المعنى وعمق التفكير، يصف خلجات النفوس ونبضات القلوب في عبارات فياضة بالأحاسيس وصور بيانية رائعة، حتى إنه ليعد في الصف الأول بين الناثرين، ولم يكن نثره ضجة ألفاظ، بل كان معنى جميلاً عميقاً، في ديباجة أنيقة مشرقة.
وليس ابن حزم لوناً جديداً في فقهه، وكونه أديب الفقهاء فقط، بل هو رجل من بلد كان فردوس زمانه في البلاد الإسلامية، ولا نملك منه الآن إلا الذكرى، إنه من الأندلس التي ما زال ذكرها يدمى القلوب، ويذهب بالنفس حسرات، يثير العبرات، ويلقي بالنفس المؤمنة أشد أنواع الحزن، إنها مأساة التاريخ الإسلامي.
ودراستنا لابن حزم، وقد سرنا وراء الفقه من المشرق إلى المغرب، هي تذكير بذلك الفقيد الحبيب، إقليم الأندلس الخصيب، ((فإن الذكرى تنفع المؤمنين )) .
4