17

Ibn Hazm: His Life, Era, Views, and Jurisprudence

ابن حزم حياته و عصره آراؤه وفقهه

Mai Buga Littafi

دار الفكر العربي

Inda aka buga

القاهرة

وقد اختلفت الولايات والأولياء، وأمر الرعايا كان بين الأمراء المتنازعين، لقد عاصر ابن حزم آخر الأمويين في الأندلس، فرأى دولة بني أمية ينحدر سلطانها، ويهوى الأمر فيها إلى أحد أوليائها أبي المنصور العامري، ثم رأى الأمر يعود إليهم ثم يخرج، وهذا كله في عصر واحد.

وفي الحق أن الشعب الأندلسي كان منصرفاً عن ذلك الاختلاف، فلم يكن معنياً بالسياسة والسياسيين، كالشأن في المشرق، فقد كان الشعب فيه يشترك في الاضطرابات السياسية، أو يكتوي بنارها، أما الشعب الأندلسي، فقد ابتعد عنها، ولم يشترك فيها، ولم يكتو بنارها، إلا بعد أن أصبح يأس الأمراء بينهم شديداً، وانتهزها أولاً أعداء الأمويين من البربر، ثم انتهزها العدو الذي كان يتربص بالمسلمين الدوائر، فأكلها كلها قطعة قطعة، وسبحان من يرث الأرض ومن عليها.

وإن ابن حزم من أسرة عملت بالسياسة، وكان له ولأبيه فيها شأن أي شأن فقد كان أبوه وزيراً، ثم صار هو من بعده وزيراً، وذاق حلو الولاية ومرها، أولاً، ثم لم يذق من بعد ذلك فيها إلا مراً، ولذلك تركها إلى العلم فأمد العالم بتلك الأرسال من الفكر، وذكر اسمه في الخالدين، لا بسلطان الرياسة والسياسة، بل بسلطان العلم، وإن ما يتصل بالروح يبقى، وما يتصل بالمادة يفنى، وإن لذلك موضعه من درسنا بعناية الله تعالى.

وإذا كان للبيئة الطبيعية أثر في تكوين الفكر أو اتجاهه فإن ابن حزم عاش في الأندلس بجبالها الرائعة ذات المنظر البهيج التي زينها رب العالمين للناظرين، ورياضها الفيحاء، وخصبها الطيب، ومروجها الخضراء فقد كانت حقاً فردوساً، وكانت ريحانة الإسلام، كل شيء فيها جميل، أنهار جارية وعيون ثرة تفيض بالماء في الجبال والوديان.

وإن لذلك أثره في نفس الكاتب مده بالصفاء، ورقة الحس، وإرهاف الذوق، وقد كان ذلك واضحاً في ابن حزم، فقد كان الكاتب الأديب الذي سحر بالجمال في كل شيء في الفطرة والكون والإنسان، وبدا ذلك في أسلوبه الرقيق، وجمال تعبيره، وحسن تصويره

( م ٢ - ابن حزم )

17