120

Ibn Hazm: His Life, Era, Views, and Jurisprudence

ابن حزم حياته و عصره آراؤه وفقهه

Mai Buga Littafi

دار الفكر العربي

Inda aka buga

القاهرة

وكانوا في كل أعمالهم يأخذون بالتقية، فكانوا يسترون آراءهم ولا يعلنون إلا ما تسمح الأحوال بإعلانه، ومن أجل هذا كله سموا بالباطنية:

١٤٦ - وقد بنيت تعاليم المعتدلة من الإسماعيلية على ثلاث شعب:

أولها - الفيض الإلهي من المعرفة الذي يفيض الله به على الأئمة، فيجعلهم بمقتضى إمامتهم فوق الناس قدراً، وفوق الناس عاماً، فقد اختصوا بعلم ليس عند غيرهم، وأن عندهم علماً بالشريعة قد أوتوه فوق مدارك الناس. وهم بهذا يدركون من الشريعة ما لا يدرك الناس.

و ثانيها - أن الإمام لا يلزم أن يكون ظاهراً معروفاً، بل يصح أن يكون خفياً عن الناس مستوراً، ومع ذلك تجب طاعته وأنه هو المهدي الذي يهدي الناس. وأنه إن لم يظهر في جيل فإنه لابد ظاهر في جيل أو أجيال أخر، وأنه لن تقوم القيامة حتى يظهر.

و ثالثها - أن للشريعة ظاهراً وباطناً كما بينا وأنه لا يعرف الباطن الحقيقي إلا الإمام الذي أفاض الله عليه بنور المعرفة، وهو ليس لهذا مسؤولاً أمام أحد من الناس، وليس لأحد من الناس أن يخطئه مهما يأت من أفعال، بل يجب عليهم أن يصدقوا أن كل ما يفعله خير لا شر فيه، ومن هذا قرروا أن الأئمة معصومون، لا بمعنى أنهم لا يرتكبون الخطايا التي نفعلها بل على معنى أن ما نسميه خطايا بالنسبة لنا قد يكون عندهم من العلم ما ينير السبيل لهم، ويكون به سائغاً لهم وليس بسائغ لسائر الناس.

وقد يكون التفكير على هذا النحو ليس كفراً قاطعاً، ولكنه لم يرد في كتاب ولا سنة صحيحة، وفي ظل ذلك التفكير وجد فيهم غلاة خلعوا الربقة، وقد كانت السرية التي تعد طريقة هذه الفرقة عشاً لتفريخ تلك الآراء المنحرفة.

١٤٧ - هذه فرق الشيعة وقد ذكرناها بإيجاز لأن بيانها بالتفصيل ليس موضوع دراستنا، وإنما أشرنا إليها تلك الإشارة، لأن ابن حزم تصدى في رسالته (الصحابة) لمناقشة بعض الآراء التي تضمنتها أقوالهم، ولأنه ناقش مذهبهم جملة في كتابه الفصل وأفاض في ذلك إفاضة كبيرة مما سنشير إليه في موضعه من كلامنا.

120