Ibn Hanbal: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence
ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
ولقد نظر ذلك النظر ابن القيم ، فقد قال في أعلام الموقعين: وعلل ترك أحمد تدوين كتاب في الفقه بأنه كان شديد الكراهة لتصنيف الكتب في غير الحديث، ولكن الله علم حسن نيته، فجعل تلاميذه يعنون بتدوين كلامه وفتاويه؛ وقال ابن القيم في ذلك: ((جمع الخلال نصوصه في الجامع الكبير فبلغ نحو عشرين سفرا أو أكثر، ورويت فتاويه ومسائله، وحدث الناس بها قرنا بعد قرن، فصارت إماما وقدوة لأهل السنة، على اختلاف طبقاتهم، حتى إن المخالفين لمذهبه بالاجتهاد والمقلدين لغيره، ليعظمون نصوصه وفتاواه، ويعرفون حقها وقربها من النصوص، وفتاوى الصحابة. ومن تأمل فتاواه وفتاوى الصحابة، رأى مطابقة كل منهما على الأخرى، ورأى الجميع كأنها تخرج من مشكاة واحدة))(١).
٤ - وإذا كان أحمد رضي الله عنه ، لم يكتب في الفقه كتابا، بل كان ينهى عن ذلك، وينهى أصحابه عن القراءة في كتب الفقه المدونة خشية أن يستغنوا بها عن الحديث - فإن المعول في نقل فقهه كان على رواية أصحابه عنه، وقد نقلوا الفتاوى والنصوص في كتب مبسوطة بلغ بعضها نحوًا من ثلاثين سفرا. وقد اختلف النقل، لأنه مادامت الرواية أساس النقل، ولم يتول الإمام بنفسه كتابة فقهه، فلا بد أن يختلف الناقلون، وأن تختلف النقول، وأن يكون الترجيح.
ولقد وجدنا كتاب الطبقات يتكلمون في نقل بعض الأصحاب، فوجدنا ابن الفراء في طبقاته ينقل عن أبي بكر المروزي، والأثرم ومسدد، وحرب وغيرهم، وقد رووا الكثير من الفقه الحنبلي: ونسبوه إلى ذلك الإمام الجليل ويوثقهم، ثم وجدنا مع هذا بعض كتاب الأثر يقول، ((رجلان صالحان بليا بأصحاب سوء جعفر بن محمد، وأحمد بن حنبل)) أما جعفر بن محمد فهو جعفر الصادق بن محمد الباقر من أئمة الشيعة، وقد نسبت إليه أقوال كثيرة دونت في فقه الإمامية، وأما أحمد فقد نسب إليه بعض الحنابلة آراء في العقائد وإن هذا بلا شك يثير بعض الريب في مقدار نسبة الفقه الحنبلي إلى أحمد، أو على الأقل في بعض هذا الفقه، لأنه إذا جرى الشك في صدق الراوي كان ذلك طعنا في صحة المروى.
(١) إعلام الموقعين جـ ١ ص ٢٢
8