Ibn Hanbal: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence
ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
حرصه وعقله أن يرى أناساً بهذه الرمية من غير أن يعرف مقالتهم، إذ الحكم على الشيء نفياً أو إثباتاً، واستحساناً أو استهجاناً، فرع عن تصوره ومعرفته.
وأيضاً فإن أحمد كان ينتقي الرجال الذين يروي عنهم حريصاً على أن يكونوا من لم يخوضوا في أمثال هذه الأقوال التي كان يراها بدعاً في الدين، وكان ذلك بلا ريب يقتضي أن يكون ملمّاً بعض الإلمام بها، وعارفاً بعض المعرفة لها.
من أجل هذه الاعتبارات كلها نظن ظناً قريباً من اليقين أن أحمد قد اطلع أو ألمّ بأقوال هذه الفرق، وأن يكون قد سرى إليه بعض العلوم التي كانت في عصره، وإن لم تتأثر بها نفسه، وتشربها روحه، إذ لم تتفق مع نزوعه، ولم تتلاق مع ميوله، وإن المقدمات التي سقناها، لا تدل على أنه كان يعلمها علماً كاملاً محيطاً بكل نواحيها مستغرقاً لكل فنونها واتجاهاتها، ولكنها تدل على معرفتها في الجملة، وإن لم تكن معرفة استقصاء، وإن ذلك وحده يكفي للحكم على اتصال العالم ببيئته، وما كان يسود عصره من أفكار وآراء.
٣٢- وإن ذلك الظن يرتفع إلى درجة اليقين عندما نعلم أن أحمد كان يعلم الفارسية، ويتكلم بها أحياناً، إذا كان مخاطبه لا يحسن العربية، ولا يستطيع الإفهام بها، وليست معرفة ذلك مأخوذة بطريق التلمس، بل مأخوذة بطريق الخبر الصحيح والنقل، وإذا كانت صلة أحمد بمعاصريه أوجبت عليه أن يتعلم لساناً غير عربي، فالأولى أن توجب عليه هذه الصلة أن يعرف العلوم التي كانت سائدة في عصره، وإن كان لا يؤمن بها، بل يزجيها، ويردها، وينفر الناس منها.
والخبر بمعرفة أحمد بالفارسية صحيح، فإنه يروى كما جاء في تاريخ الذهبي، أنه قدم عليه من خراسان ابن خالته ونزل عنده، ولما قدم له الطعام كان أحمد يسأله عن خراسان وأهلها، وما بقي من ذوي أحمد بها، وربما استعجم القول على الضيف، فيكلمه أحمد بالفارسية.
وروى هذا الخبر هو زهير حفيد أحمد رضي الله عنه، ويذكر أنه شاهد ذلك
31