Ibn Hanbal: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence
ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
في الحج، وصاحبه في طلب العلم يحيى بن معين، وقد توافقت رغبتهما في ذلك فدخلا مكة، وبينما هما يطوفان طواف الوداع إذا عبد الرزاق يطوف، فرآه ابن معين، وكان يعرفه، فسلم عليه وقال له: هذا أحمد بن حنبل أخوك، فقال حياه الله وثبته، فإنه يبلغني عنه كل جميل. قال نجيء إليك غدا، إن شاء الله، حتى نسمع، ونكتب، فلما انصرف قال أحمد معترضا لم أخذت على الشيخ موعدا!! قال لنسمع منه، قد أربحك الله مسيرة شهر، ورجوع شهر، والنفقة، فقال أحمد ما كان الله يراني، وقد نويت نية أن أفسدها بما تقول، نمضي فنسمع منه، ثم مضى بعد الحج، حتى سمع بصنعاء(١).
انظر إلى النية المحتسبة للهجرة في سبيل العلم، قد لاحت له الفرصة التي تغنيه عن الهجرة، فلم ينتهزها، وآثر أن يضرب في الأرض مهاجرا في طلب العلم، ولم يرد أن يأخذه رخاء سهلا، تسهله المصادفة، وتقربه الفرصة، خشية أن يتعود ذلك فلا يركب في سبيله المركب الصعب، ويحتمل العيش الخشن.
وقد تحقق ما احتسب فسافر إلى صنعاء، وناله العيش الخشن، والمركب الصعب، إذ انقطعت به النفقة في الطريق فأكرى نفسه من بعض الحمالين إلى أن وافى صنعاء(٢)، وقد كانت رفقته تحاول أن تمد له يد المعونة، فكان يردها حامد الله فضل قوته التي تمكنه من أن يحصل على نفقاته.
ولما وصل إلى صنعاء حاول عبد الرزاق أن يعينه، فقال له يا أبا عبد الله خذ هذا الشيء فانتفع به، فإن أرضنا ليست بأرض متجر، ولا مكسب، ومد إليه بدنانير، فقال أحمد أنا بخير، ومكث على هذه المشقة سنتين استهان بهما، إذ سمع أحاديث عن طريق الزهري، وابن المسيب ما كان يعلمها من قبل.
وقد استمر أحمد على الرحلة في طلب العلم، حتى بعد أن اكتملت رجولته، ونضج علمه، ولقد كان وعد الشافعي عند آخر لقاء بينهما أن يلحقه إلى مصر،
(١) راجع ابن كثير، وابن الجوزي.
(٢) حلية الأولياء.
25