Ibn Hanbal: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence
ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
وإنما لم ينشر من كتب الخرقى إلا المختصر، لأن الخرقى غادر بغداد، لما صار للشيعة فيها قوة، ورحل منها إلى دمشق. ومات بها، وقد طغى سلطان القرامطة في عهده حتى وصل إلى الحرمين الشريفين، وأزالوا الحجر الأسود عن موضعه، ولم يعد إليه إلا بعد وفاة الخرقى.
ومختصر الخرقى أشهر كتاب في الفقه الحنبلي، ولذا توافر عليه العلماء بالشرح والتعليق، حتى لقد كان له أكثر من ثلاثمائة شرح، وقد نقل فيه خلاصة لما جمع الخلال، وأحصى بعض العلماء عدة ما فيه من مسائل، فبلغت ثلاثمائة وألفي مسألة.
وممن عنى بشرحه القاضي ابن أبي يعلى صاحب الطبقات، وكان مما عنى به الموازنة بين ما فيه من نقل الخرقى ونقل عبد العزيز غلام الخلال، وقال في ذلك: ((قرأت بخط أبي بكر عبد العزيز: خالفني الخرقى في مختصره في ستين مسألة، ولم يسمعها، فتتبعت أنا اختلافهما، فوجدته في ثمان وتسعين مسألة))(١)
٧٤ - وقد اعتبر كتاب الخرقى هذا أصلا محترما من أصول الفقه الحنبلي، ومن شرحه، وبقي شرحه إلى الآن، وطبع ونشر، ولعله أعظم شروحه، وأوفاها - موفق الدين المقدسي، وسمى شرحه المغني.
وشرح المغني كتاب كبير، طبع في ثلاثة عشر مجلدا كبيرا، وهو فقه مقارن، فإنه لا يكتفي بشرح عبارة المختصر، وبيان مدلولها ومفهومها، بل يتبع ذلك ببيان شامل للاختلاف بين الروايات فيها في الفقه الحنبلي، ثم الاختلاف بين الأئمة على اختلاف مذاهبهم، حتى بعض المذاهب التي لم يكن لها أتباع مشهورون، كمذاهب بعض التابعين ومن جاء بعدهم، كالأوزاعي وغيره ويذكر الأدلة الفقهية، والآثار الصحيحة المثبتة للمدعى مشيرا إلى صحيحها من سقيمها، ويرجح قولا من بين الأقوال التي يسوقها مشيرا إلى قوة دليله، وضعف دليل غيره بجواره.
وقد نظر إليه الحنابلة وغيرهم نظرة تقدير، واعتبروه مرجعا من مراجع الفقه الإسلامي المقارن، الذي يرفع قارئه من التقليد إلى مكان من الاجتهاد، والموازنة، والترجيح الصحيح، والاختيار عن بينة وحجة وبرهان، وقد قال إن مفلح الحنبلى
(١) طبقات ابن أبي يعلى ص ٣٣٢
186