Ibn Hanbal: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence
ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
وكان ابن المبارك يجمع إلى جلال العلم، فضل المجاهد الغازي، فهو العالم الذي استبحر من الفقه والحديث، وهو المجاهد الذي غزا، ونشر الإسلام، وكان كثير الحج، وحيثما سار أدر الدر الوفير، وكان يؤثر على نفسه ذا الحاجة.
ويروى في ذلك أنه مر وهو في طريقه إلى الحج بمزبلة قوم، فرأى فتاة تأخذ طائراً ميتاً، وتلفه، فسألها عن أمرها، فقالت: أنا وأخي هنا ليس لنا شيء إلا هذا الإزار، وليس لنا قوت إلا ما يُلقى على هذه المزبلة، وقد حلت لنا الميتة منذ ثلاثة أيام وكان أبونا له مال، فظلم، وأخذ ماله، وقتل، فأمر ابن المبارك برد الأحمال، وقال لوكيله: كم معك من النفقة؟ قال: ألف دينار فقال: عد منها عشرين تكفينا إلى مرو وأعطها الباقي، فهذا أفضل من حجنا هذا العام، ثم رجع(١).
وكان رحمه الله يطعم الطعام الأمثل الجيد، وهو صائم، ويكتفي من الدنيا بالقليل فكان ماله للفقراء، ويعين به المحتاجين من طلاب العلم، كانت غلته مائة ألف عام فكان ينفقها كلها على العباد، وأهل العلم، وأهل الفاقة، وربما امتدت يده إلى رأس المال، وهو فوق هذا لا يترف نفسه، حتى لا يبطر معيشته، فيفسد دينه، ولقد عده كثيرون من العلماء إمام الورع، والحديث، والفقه الذي خلف سفيان الثوري، فقد سئل المعتمر بن سليمان: من فقيه العرب؟ فقال: سفيان الثوري، ثم سئل من فقيه العرب بعد سفيان؟ قال عبد الله بن مبارك.
وكانت عنايته بعلم الآثار والسنن بالغة، فقد كان يقضي الليل في الاطلاع عليها، وقد قيل له: إذا صليت لم لا تجلس معنا؟ قال أذهب مع الصحابة والتابعين، فقيل له، ومن أين الصحابة والتابعون، قال: أذهب، فانظر في علي؛ فأدرك آثارهم وأعمالهم، فما أصنع معكم!! أنتم تغتابون الناس)).
وكان وهو الرجل الذي رزقه الله رزقاً حسناً، يحذر الناس من حب الدنيا، ويقول: حب الدنيا في القلب، والذنوب احتوشته، فتى يصل الخير إليه!!))
ويرى أن الزهد سلطان دونه سلطان الملوك؛ لأن الزاهد لا يحتاج إلا إلى الله،
(١) تاريخ ابن كثير.
103