وبتلك المنحة تم لمحيي الدين أكمل ما ينال عباد الرحمن الذين اصطفاهم لعلمه، واجتباهم لمحبته ورضاه.
محيي الدين والكرامات
ومحيي الدين لا يذكر معراجه في المقامات، وتقلبه في الأحوال، وأحاديثه المنامية مع الرسول - صلوات الله عليه، وحضوره في مشاهد الحق - سبحانه - ليفتخر بكرامة، أو يدل بهبة، أو يتيه على الناس بحظوظ وعطايا، فمحيي الدين قد تحقق من مقام العبودية وذاقها، وهي أسنى المراتب وأعلاها، وليس من شذاها جنوح إلى فخر أو ميل إلى تيه وتكبر.
بل إنه لخصم للكرامات وطلابها، وما رأيته يعنف في نقاش، وما رأيته يقسو في جدال، إلا حين يغمس قلبه القوي العبقري في تلك الأحاديث، ويتناول بأنامل أستاذيته المرشدة آذان أصحابها.
فهو يراها حلى براقة للعاطلين من سواها، يشتغل بها من تقعد به أجنحته عن التحليق في آفاق أعز وأكرم.
والكرامة المعنوية عند محيي الدين هي أعلى ألوان الكرامات، التي لا يعرفها إلا الخواص من عباد الله - سبحانه، وهي هدفه ومبتغاه.
وليس للعامة في تلك الكرامة نصيب، وليس لطلاب الأولى سهم هنا.
والكرامة المعنوية: هي أن يحفظ الله - سبحانه - للعبد المختار آداب الشريعة، وأن يوفقه لإتيان مكارم الأخلاق، واجتناب سفاسفها، والمداومة على الواجبات في أوقاتها، والمسارعة إلى الخيرات، وإزالة الغل للناس من صدره، والحسد والحقد وسوء الظن، وطهارة القلب من كل صفة مذمومة، وتحليته بالمراقبة مع الأنفاس.
أما الكرامة المادية التي يعرفها العامة، فكلها يمكن أن يدخلها المكر السيئ، أو الاستدراج الخفي الذي لا تؤمن عقباه، بل هي على أحسن حالاتها وفروضها، جزاء وفاقا على أعمال طيبة وعبادات متتابعة، ومن تنعم في الدنيا على أعماله، فقد أخذ جانبا من الجزاء؛ فيخفف له العطاء يوم العطاء.
سئل أبو اليزيد البسطامي عن طي الأرض، فقال: ليس بشيء؛ فإن إبليس يقطع من المشرق إلى المغرب في لحظة، وما هو بمكان عند الله.
Shafi da ba'a sani ba