وهي التي لم تخش قط الذهاب في رحلة بالقارب، كما كانت جولييت، عندما تكون الأمواج متلاطمة. كانت تضغط عليه كي يأخذها معه، وعادة ما كانت تلاقي محاولاتها النجاح. وعندما كانت تتبع إيريك، وهي ترتدي معطف النجاة البرتقالي الذي يشبه معاطف العمل، حاملة ما تستطيع حمله من أدوات، كانت ترسم على وجهها دوما تعبيرا بالجدية والتفاني. كانت تلاحظ بعناية أماكن الأشراك وصارت ماهرة وسريعة وجريئة في فصل رأس القريدس وتعبئته في أكياس. وفي مرحلة معينة من مراحل طفولتها - من الثامنة إلى الحادية عشرة تقريبا - كانت تقول طوال الوقت إنها ستذهب لصيد الأسماك عندما تكبر، وأخبرها إيريك أن هناك فتيات يفعلن هذا في أيامنا هذه. فكرت جولييت أن هذا ممكن، بما أن بينيلوبي كانت ذكية وليست مولعة بالكتب، بالإضافة إلى أنها تتمتع بلياقة جسدية وشجاعة. ولكن إيريك كان يقول، من وراء بينيلوبي، إنه يتمنى أن تنسى هذا الأمر بمضي الوقت؛ لأنه لا يتمنى مثل هذه الحياة لأحد؛ فكان يتحدث دوما عن صعوبات ومخاطر العمل الذي اختاره، ولكنه كان يفتخر، كما ظنت جولييت، بنفس هذه الأمور.
والآن نسيت بينيلوبي والدها الذي ملأ حياتها؛ فها هي قد طلت أظافر قدميها مؤخرا باللون الأرجواني، ورسمت وشما غير حقيقي على بطنها. لقد أخرجته تماما من حياتها.
ولكن جولييت شعرت وكأنها تفعل الشيء نفسه. بالطبع؛ فهي مشغولة في البحث عن وظيفة ومكان تسكن فيه. فقد عرضت بالفعل منزلهم في ويل باي للبيع - فلم تتخيل بقاءها هناك - وقد باعت الشاحنة وتبرعت بأدوات إيريك، والشراك التي استعيدت، وزورقه. وقد أتى ابن إيريك البالغ من ساسكاتشيوان وأخذ الكلب.
تقدمت لوظيفة بقسم المراجع في مكتبة الجامعة، ووظيفة في المكتبة العامة، وراودها شعور أنها ستحصل على إحداهما. بحثت عن شقة في كيتسيلانو أو دنبار أو بوينت جراي. وقد ظلت نظافة ونظام ومرونة المدينة تبهرها؛ ففي المدينة يعيش الناس دون أن يضطر الرجل للعمل في الأماكن المفتوحة، وحيث لا يضطر أن يقوم بالمهام العديدة المتعلقة بعمله داخل منزله، وحيث يكون الطقس عاملا يؤثر ربما على حالتك المزاجية ولكن ليس على حياتك بأكملها، وحيث لا تعد موضوعات رهيبة مثل العادات المتغيرة للقريدس والسلمون وتوافرهما من الموضوعات المثيرة، أو حتى من الموضوعات التي تثار على الإطلاق؛ فالحياة التي كانت تعيشها في ويل باي، منذ فترة ليست ببعيدة، بدت عشوائية وفوضوية ومرهقة مقارنة بالحياة في المدينة. وقد تخلصت هي أيضا من الحالة المزاجية التي لازمتها في الشهور الماضية؛ فكانت مفعمة بالحيوية وبدت أقوى وأكثر جمالا.
لا بد أن يراها إيريك الآن.
كانت تفكر في إيريك على هذا النحو طوال الوقت؛ لم يكن الأمر أنها فشلت في أن تدرك أنه مات، فهذا لم يحدث للحظة واحدة، ولكنها ظلت تشير إليه طوال الوقت في عقلها وكأنه لا يزال الشخص الذي يهمه وجودها أكثر من أي شخص آخر، كما لو أنه لا يزال الشخص الذي تمنت أن تلمع دوما في عينيه، وأيضا الشخص الذي تجادله وتقدم له المعلومات والمفاجآت. كانت تلك هي إحدى عاداتها التي كانت تحدث تلقائيا ... فحقيقة موته لم تبد وكأنها لها دخل في الأمر.
كما أن خلافهما الأخير لم يحل على نحو كامل؛ فهي لا تزال تلومه لخيانته. وعندما كانت تتباهى بنفسها الآن؛ فذلك لأنه فعل هذا بها.
العاصفة، العثور على الجثة، المحرقة على الشاطئ؛ كل هذه الأمور كانت شبيهة بالموكب الذي كانت مضطرة لمشاهدته وتصديقه، والذي لا يزال لا صلة له بها أو بإيريك. •••
حصلت على الوظيفة بقسم المراجع بالمكتبة، ووجدت شقة مكونة من حجرتين تستطيع دفع إيجارها، وعادت بينيلوبي إلى تورانس هاوس كطالبة نهارية. جميع شئونهما في ويل باي كانت متوترة، وقد انتهت حياتهما هناك. حتى كريستا كانت ستنتقل إلى مكان آخر، وسوف تأتي إلى فانكوفر في الربيع.
في يوم ما قبل هذا، في أحد أيام شهر فبراير، كانت جولييت تقف تحت المظلة في محطة الحرم الجامعي بعد انتهائها من عملها بعد الظهيرة. كان المطر قد توقف ذلك النهار، وكانت هناك رقعة من السماء الصافية ناحية الغرب، والتي كانت حمراء حيث غربت الشمس فوق مضيق جورجيا. وقد كان لهذه الإشارة على زيادة طول النهار، وأمارات تبدل الموسم، تأثير غير متوقع ومدمر عليها.
Shafi da ba'a sani ba