Yakin Daular Manzon Allah (Sashe na Farko)
حروب دولة الرسول (الجزء الأول)
Nau'ikan
وحكومة الملأ إذن - كما هو مبين - كانت مجلسا سلطويا قام في مكة، من أجل إحكام سيطرة الأرستقراطية المكية التجارية على مختلف الشئون، بغرض تناغمها جميعا مع مصالحهم، بحيث يؤدي كل شأن دوره في حماية تجارتهم، واستمرار سيولتها، وضمان أمنها، دون أي توقف يمكن أن يهددها.
ولعل أهم الخطوات التي تمت بسبيل تأمين تلك المصالح، هي قيام مجلس الملأ نفسه، الذي ترافق مع خطوات أخرى، بدأت بالتقريش، ليتلوه الإيلاف، فكان التقريش خطوة أولى لتوحيد قبائل مكة وجمعها؛ أي تقريشها، وذلك زمن «قصي بن كلاب»، عندما استطاع مع حلفائه إجلاء قبائل «خزاعة» عن مكة، ليتمركز فيها مع أولئك الحلفاء، نتيجة مجموعة متضافرة من الظروف التاريخية، بدأت آنذاك تفعل فعلها في جعل مكة زمن «قصي» مركزا كبيرا لاستراحة القوافل التجارية، على طريق الخط التجاري ما بين الشام واليمن. وعليه فإن نظام التقريش جاء كشكل اجتماعي، أكثر تطورا بدرجة أعلى قليلا، من الأنظمة القبلية المتشرذمة المتقاتلة بالجزيرة، وكلون من التنظيم الاجتماعي الذي يجمع القبائل الحليفة لقصي في أضمومة وحزمة مترابطة بالمصلحة، مع استقلال كل قبيلة بشكلها العشائري المألوف. وهو ما نفهمه من شرح «ابن كثير» لهذا الشكل المجتمعي التقريشي في قوله:
وأما اشتقاق قريش، فقيل: من التقرش، وهو التجمع بعد التفرق. وقيل سميت قريش قريشا من التقرش، وهو التكسب والتجارة، حكاه ابن هشام رحمه الله. وقال الجوهري: الكسب والجمع، وقد قرش يقرش (نظن المقصود هنا القرش أي الهرس بالأضراس، كما تعني أيضا جمع القروش أي المال). وقال البيهقي: إن معاوية قال لابن عباس: فلم سميت قريش قريشا؟ قال: لدابة تكون في البحر، تكون أعظم دوابه، يقال لها القرش، لا تمر بشيء من الغث والسمين إلا أكلته.
4
وهكذا يأتي هذا التفسير الجامع، معبرا صادقا عن حال قريش، وحال المرحلة التاريخية، متضمنا حال المرحلة المجتمعية؛ فالتقريش تجمع للقبائل التي حملت اسم قريش بعدما كانت شراذم قبلية متناثرة متصارعة، وما جمعها إلا المصلحة المادية المشتركة، وهي التكسب المادي. ذلك التكسب الواضح أنه ناتج التجارة على الخط التجاري، والذي تمثل في عشور جمركية تقبضها قريش نظير المرور والاستراحة في مدينتها، للموقع المتميز لمكة على الخط التجاري الدولي. ويحمل التعريف معنى هاما بربطه المتين والرائع لجمع الناس وجمع المال بالارتباط المصلحي، فالقرش هو مفرد القروش المجموعة، والقرش هو الكسب المالي، وهو في الوقت ذاته تجمع الناس في مجتمع مترابط (هو الكسب، وهو الجمع بعد التفرق)، ليبلغ التعريف كمال تبليغه البلاغي في تصوير حال هذا الجمع المتكسب، واستعداده للدفاع عن مصالحه. وتطور الأمر إلى حد النهم، فهو كالقرش السمك المتوحش لا يمر بشيء إلا أكله، مما يشير بالضرورة إلى وجود فئات أخرى، سقطت في حومة ذلك الحراك الاقتصادي الاجتماعي، وذلك في قرن الجمع والتجمع بالكسب والتقرش وجمع القروش، مع القرش بالأضراس الذي تمثله دابة البحر.
الإيلاف
أما التأليف بنظام الإيلاف، فكان - في رأينا واستنتاجنا - الخطوة الثانية والضرورية بعد التقريش، وهو ما طبقته أرستقراطية مكة القرشية بنجاح، للتأليف بين قبائل مكة التجارية، أو أثرياء مكة تحديدا، وبين القبائل الضاربة على الخط التجاري الواصل بين مكة، وبين حدود الإمبراطوريتين: الرومانية والفارسية، ثم تأليف ثان بين قريش وبين القبائل الضاربة في باطن الجزيرة في خطوط فرعية، ثم تأليف ثالث بين قريش وبين الإمبراطوريتين.
وبالإيلاف، وللإيلاف، كان يتم توزيع المكاسب بشكل تناسبي، بما يضمن حماية طريق الإيلاف من إغارة البدو، وتأمينه لمصلحة الجميع، وهو ما يقول فيه «المسعودي» موجزا: «وأخذت قريش الإيلاف من الملوك، وتفسير ذلك الأمن.»
5
وعلى الطريق التجاري وفروعه الهامة، ارتبطت قريش بالإيلاف والعهود مع شيوخ قبائل الجزيرة، شيوخ قيس، واليمامة، وتميم، وأقيال اليمن، وملوك غسان والحيرة، كما وكلوا عنهم وكلاء في جوش ونجران، وغيرها من المواضع الهامة في شبه الجزيرة.
Shafi da ba'a sani ba