Yakin Daular Manzon Allah (Sashe na Farko)
حروب دولة الرسول (الجزء الأول)
Nau'ikan
كذلك كانت فئة المضطهدين والمعدمين والعبيد، في حالة رفض نفسي وعقلي لأرباب لا تعدل في تقسيم الأرزاق، ومن ثم كان رفض تلك الأرباب لدى المضطهدين؛ قناعة مهيأة للإعلان العملي السافر. وقد برز الاعتقاد المكي في إله واحد فوق أرباب القبائل وأسلافها المتعددين، الواقفين في فناء الكعبة، وأمسى معترفا به بشكل نهائي في العصر الجاهلي الأخير، وهو ما قررته بعد ذلك آيات القرآن الكريم في نصوص كثيرة متعددة، نقتصر منها على أمثلة تقول:
قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم *سيقولون لله قل أفلا تتقون (المؤمنون: 86-87).
ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون (العنكبوت: 61).
لذلك ظل التشرذم القبلي قائما، وجنين الوحدة المقبلة لعرب الجزيرة في حالة إرهاص ومخاض، دون ميلاد حقيقي، يجمع العرب جميعا في مصلحة واحدة، ووحدة قومية جامعة في ظل إله واحد، ولذلك انتشر الاعتقاد في مهمة باقية لهذه الأرباب القبلية المتفرقة، وهي التشفع لأتباعها لدى الإله الواحد، واتخاذهم إليه زلفى وتقربا، وهو ما كان - على المستوى النفسي - إخضاعا داخليا ذاتيا للقبائل، لملأ مكة وسيادة ذلك الملأ، عن طريق الاعتراف بسيادة إله الملأ على أرباب القبائل. وقد صورت آيات القرآن الكريم، المعنى الذي انتهى إليه أرباب القبائل بتصوير بليغ، يليق بصدق الوحي الكريم، وتطابقه مع واقع مكة والجزيرة، دون تفاوت
ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت (الملك: 3)، بقول يأتي على لسان المشركين:
ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى (الزمر: 3).
وعلى المستوى السياسي؛ تجاوزت حكومة الملأ - أصحاب الندوة - الشكل القبلي القديم، لكنها حرصت على استدامة النقيضين حرصا على المصلحة المادية؛ فكانت حكومة الملأ حكومة شبه جمهورية، تتجاوز الشكل المشيخي الرئاسي القبلي القديم، لكنها تستبطنه في تمثيل رجال الملأ للتعددية القبلية لبطون قريش، بينما صراع النقيضين يفعل فعله التراكمي لصالح توحد كامل لشكل الحكم، بغرض القضاء على التمثيل القبلي والقبلية، لصالح نظام حكم مركزي جامع، يقوم على سلطة واحدة موحدة، لا تضع بحسبانها مصالح الملأ الأنانية الضيقة، بل تتجاوزها بضرب التعدد السلطوي والربوبي، لصالح دولة كبرى ومصالح أعظم وأعم نفعا لجميع عرب الجزيرة، حكم يمكنه أن يوحد تلك الشراذم المتأججة بين الفردية والقبلية، الجديد والقديم، في مرحلتها الانتقالية، نحو أمة واحدة، وهو ما يخبرنا التاريخ بأنه قد حدث، وذلك مع المرحلة الأولى من المراحل التي مرت بها أطوار الدولة المقبلة.
وقد تمثلت المرحلة الأولى في تكوين تلك الدولة في ظهور سلطتها كسلطة نبوية، في مكة، بنداء النبي
صلى الله عليه وسلم
لعشيرته، بما بين يديه من سلطة نبوية «إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد»، تلك السلطة التي استندت إلى أساسين أولين هما: السلطة النبوية المستمدة من الأساس الثاني والأعظم، وهي سلطة الله الأوحد العليا، الراعي الأقدر للدولة القادمة.
Shafi da ba'a sani ba