197

Yakin Daular Manzon Allah (Sashe na Farko)

حروب دولة الرسول (الجزء الأول)

Nau'ikan

ثم هناك مستوى ثالث في قراءة موقف الأوس، يتمثل في مباعدة أبي عامر بن عمرو بن صيفي الأوسي مع خمسين من أتباعه ليثرب بعد الهجرة، كارها للنبي والمهاجرين، ومشاركته بعد ذلك في وقعة أحد ضد النبي؛ إلا أن الواضح الجلي هو أن النبي قد دخل يثرب في حمى أخواله الخزرج أساسا، مع تعضيد من بعض عقلاء الأوس، وهو ما يفصح عن قدر شديد من المبالغة في روايات الإخباريين عن إيمان عرب يثرب جميعا قبل الهجرة مباشرة. ويدلل هذا التحليل ما حدث في وقعة بدر، حيث لم يتمكن النبي من جمع أكثر من ثلاثمائة رجل معه في الوقعة، مهاجرين وخزرجيين وأوسيين، وهو أمر ذو دلالة إن قارناه بما حدث بعد استتباب الأمر في المدينة للنبي، وقدرته على حشد قوة تماثل عشرة أضعاف ما جمعه في بدر، وهو ما يشير إلى انضمام جموع أخرى متأخرة إلى حلف النبي اليثربي.

لكن ذلك لا يعني سوى أن يثرب قد استقبلت الرسول، متهيئة لذلك بحكم ظروفها وتكوينها، التي أتيحت لها دون أي موقع آخر بالجزيرة؛ ففيها كان أخوال الرسول وحلفاء البيت الهاشمي، وفيها كان اليهود وحكاياتهم عن أنبيائهم مع كتابهم المقدس، وهو ما كان عاملا جوهريا في وضع التاريخ الديني موضع احترام من عرب يثرب، إضافة إلى النبوءة التوراتية التي كانت تتواتر هناك عن مقدم نبي آخر الزمان، كما كان التوحيد اليهودي مدعاة لاختلال علاقة عرب يثرب بالوثنية، وهو ما هيأهم لقبول فكرة التوحيد عندما جاءت عربية. وقد تهيأت يثرب بعد ذلك لأخذ دورها الريادي كعاصمة للدولة المقبلة، في تحولها التدريجي للتوحد إيمانيا، بل وطبقيا، بذوبانها في مستوى مادي متقارب، كناتج للتوزيع العادل للغنائم. وتحولت الجماعة الإسلامية إلى جيش متكامل ووحدة عسكرية، مقاتلة، بدأت تداهم بدورياتها طريق الإيلاف الشامي؛ لتضرب حول مكة حصارها الاقتصادي.

فلم ينسلخ من الأيام سوى أشهر سبعة بعد الهجرة إلى يثرب، حتى خرجت دوريات المسلمين تقطع على قريش طريقها إلى الشام، وكان أولاها سرية حمزة بن عبد المطلب، وبعدها بشهر سرية عبيدة بن الحارث بن المطلب، وبعدها بأيام سرية سعد بن أبي وقاص. ورغم أن كثيرا من تلك السرايا الأولى لم تحقق غايتها بالاستيلاء على قوافل قريش، فإنها وضعت تجارة قريش على حافة الخطر، وأشعرت الملأ أي أمر ينتظرهم من محمد، خاصة بعدما قام النبي

صلى الله عليه وسلم

بنفسه يغزو الطريق بهدف آخر، هو إرهاب حلفاء قريش على طريق الإيلاف، لتفكيك الإيلاف بين تلك القبائل وبين قريش، وبعد النجاح الذي لاقته تلك الغزوات حيث تمكن النبي من سلخ إيلاف بني مدلج، وأخذ عليهم عهود الموادعة، كما تمكن من عقد عقود مكتوبة مع بني ضمرة بن بكر من كنانة.

وجاء أخطر إنذار لقريش، عندما تمكنت سرية عبد الله بن جحش من الاستيلاء على قافلة لقريش، ضربت أثناءها بالتحريم المكي للأشهر الحرم عرض الحائط، فقتلت، وسلبت، وأسرت؛ لتعلن القوة الجديدة في يثرب عن رفضها لقواعد قريش الدينية، واستخفافها بتلك القواعد، بخاصة مع تلازم ذلك باتخاذ النبي للقدس قبلة له وللمسلمين، وصيامه يوم الغفران اليهودي، ذلك الاستخفاف الذي استهجنته قريش تعلن في العربان أن محمدا قد انتهك حرمة الأشهر الحرم، لكن ليرد النبي عليهم وحيا يقول:

يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير (البقرة: 217).

وبينما ينقطع قمح يثرب عن مكة، وتخرج سرايا يثرب إلى ميناء الجار على البحر الأحمر لتمنع شحنات القمح المصري من الوصول إلى مكة، ودوريات المسلمين تنقض على طريق الإيلاف كل لحظة، كان صفوان بن أمية يردد لسان حال قريش وهي تقول:

إن محمدا وأصحابه قد عوروا علينا متجرنا، فما ندري ماذا نصنع بأصحابه وهم لا يبرحون الساحل؟ وأهل الساحل قد وادعوا محمدا، ودخل عامتهم معه، فما ندري أين نسكن؟ وإن أقمنا في دارنا هذه أكلنا رءوس أموالنا فلم يكن لنا من بقاء، وإنما حياتنا على التجارة إلى الشام في الصيف وإلى اليمن في الشتاء.

2

Shafi da ba'a sani ba