196

Yakin Daular Manzon Allah (Sashe na Farko)

حروب دولة الرسول (الجزء الأول)

Nau'ikan

كان يوم بعاث - وبعاث موضع بالمدينة - كانت فيه وقعة عظيمة، قتل فيه خلق كثير من أشراف الأوس والخزرج وكبرائهم، ولم يبق من شيوخهم إلا القليل. وقد روى البخاري في صحيحه عن عبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت: كان يوم بعاث يوما قدمه الله لرسوله، قدم رسول

صلى الله عليه وسلم

إلى المدينة وقد افترق ملاؤهم وقتل سراتهم.

1

هذا نص ابن كثير الواضح اللماح، الذي يعلن في إيجاز بليغ بلاغا واضح المعاني، حول الظروف التي انعقدت فيها الاتصالات بين النبي

صلى الله عليه وسلم

وبين أخواله من خزرج يثرب، ومن لحق بهم من بعض الأوس القليل، حيث يشرح ببساطة وضع عرب يثرب - من خزرج وأوس - المنهار والمتفسخ، بعد مقتلة يوم بعاث بين القبيلتين، وقتل الرءوس منهم والسادة؛ مما جعلهم فراغا من أصحاب «الكاريزما» الرئاسية والحنكة المشيخية. وهو ما رآه ابن كثير ترتيبا ربانيا قدمه الله هدية لرسوله، بقتل الرءوس الكبرى من كلتا القبيلتين، مما هيأهم لقبول السيادة النبوية دون مشاكل كثيرة، ودون منافسين أقوياء.

وغني عن البيان أن عاملا آخر أساسيا هيأ لذلك الحلف ومهد له، هو المصاهرة الوثيقة التي سبق أن تمت بين الخزرج وبيت النبي الهاشمي. ناهيك عن كون موقف الخزرج - تحديدا، إضافة لقرابة الخئولة - كان ردا واضحا على قريش وسادة البيت الأموي، إزاء وقفتهم السابقة مع أوس يثرب ضد الخزرج، يومي معبس ومضرس، وهي الوقفة التي عمد إليها ملأ مكة لتفتيت يثرب وتمزيقها شيعا؛ كي لا تشكل خطورة على تجارة مكة، لوقوعها على عصب طريق الإيلاف الشامي، ولإجهاض قوتها حتى لا تطالب بنصيب من الجعالات التي كان يدفعها ملأ مكة للقبائل القائمة على الطريق التجاري، بحيث أسقطت مكة يثرب من حساباتها تماما، بعد تلك الوقائع الدامية بين بطونها. وتأسيسا على ذلك استشرف خزرج يثرب الوعد النبوي بوعي نافذ، لوحدة تلم الشمل، تقف بها يثرب كمنافس له شأنه أمام مكة وسادتها، وربما تكون عاصمة للدولة الكبرى الموعودة مع تداول الأيام، عندما يأتي الله بأمره.

ورغم أن كتب الأخبار الإسلامية والسير والتاريخ، وما تقدمه وسائل التربية الإعلامية والدينية، تجعل يثرب جميعا تستقبل سيدها الجديد المهاجر بالترحاب، وتصدح بنشيد «طلع البدر علينا» بعد أن امتلأت منهم الجوانح بالإيمان، فمنحوا النبي والمهاجرين بيوتهم ونساءهم وعقولهم وأرزاقهم؛ فإن العين الحصيفة المدققة، والقراءة المحايدة المتأنية، لا تجد ذلك الزعم أبدا، حيث نجد وفد يثرب الذي التقى بالنبي في عكاظ، كان من بيت عبد الأشهل الخزرجي وحده وهم أخوال النبي، وأن اللقاء التالي بعد عام كان يضم اثنى عشر؛ تسعة من الخزرج، وثلاثة من الأوس. وكان لقاء العقبة الحاسم قبل الهجرة يضم ثلاثة وسبعين؛ منهم أحد عشر أوسيا فقط، وستون خزرجيا. وهو ما يشير إلى أن هؤلاء الأوس كانوا من عقلاء قومهم فأدركوا قيمة الدعوة وما سيتحقق بها، أو أنهم أهل سلام ومصالح ترتبط بذلك السلام، جعلهم يقبلون ذلك العقد مع صاحب الدعوة ويحضرونه. وفي مستوى آخر - يأخذ بسوء الظن - يمكن احتساب أوس العقد دسيسة أوسية على ذلك الاجتماع التاريخي؛ لتسقط أخباره. وهو أمر وارد في ذلك الصراع، وتكشف عنه بعد ذلك الأعداد الكبيرة للأوس المنافقين بعد الهجرة ولزمن طويل، ناهيك عن كون وجود الجواسيس كان أمرا مألوفا، وكان بداخل المهاجرين أنفسهم جواسيس لملأ مكة، وهم من قال الوحي بشأنهم:

يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون (الأنفال: 27).

Shafi da ba'a sani ba