193

Yakin Daular Manzon Allah (Sashe na Farko)

حروب دولة الرسول (الجزء الأول)

Nau'ikan

لكن تظهر الإشكالية الكبرى والمستعصية، حيث لم تشعر شراذم العرب القبلية بوحدة جنسها إلا بشكل ابتدائي كلون من العصبية غير الواضحة والضبابية، ناهيك عن انقطاع تلك القبائل عن ماضيها وأحوال من سبقهم، وهو انقطاع تاريخي مع التأريخ لعوامل كثيرة معلومة، ليس هنا مجال عرضها، حتى إنهم ما كانوا يشعرون بوحدة جنسهم، أو أن لهم أية علاقة بالحضارات السامية القديمة. ورغم أن البعض اليوم يقعد تلك الحضارات في مجلس التاريخ العربي، مع الإشارات إلى حضارات الجنوب اليمني، فإن هذا الاعتبار يقوم على الجغرافيا مع إسقاط الجانب اللغوي وخط الكتابة وغيره، وحتى ظهور الخط النبطي الذي تطور عنه الخط العربي بعد ذلك بقرون، فإن عرب الجزيرة أنفسهم ما كانوا يشعرون بوحدة جنسهم، ولم يبدأ ذلك الشعور جليا إلا مع دخول الرسملة وإفصاح المجتمع عن وجهه الطبقي، حيث بدت بوادره بفرح عم جزيرة العرب عندما انتصر حلف قبائل الشمال على جيوش فارس في وقعة ذي قار، وعندما تمكن ابن ذي يزن من تحرير بلاده من الأحباش.

وهكذا كان لا بد للأمة من تاريخ يتصل بها، ويتواصل معها، ويجد لها موطئ قدم راسخ في عمق الزمان الماضي، فأي أمة لا بد لها من عراقة تاريخية عميقة، وتاريخ يضرب بجذوره في الماضي البعيد المؤسس للتطور التالي المنشئ للأمم أصلا.

ومن هنا كان الاتجاه نحو العماد التأسيسي العقدي لإلقائه في رحم التاريخ القديم، بربط النبي محمد بتاريخ النبوة منذ بداياتها المعروفة في القصص الديني؛ ليصبح تاريخ الأمة الجديدة تاريخا نبويا، ومعرفيا سماويا، فتتم أسلمة جميع الأنبياء السابقين، كما يتم تقديس لغة قريش تحديدا باعتبارها اللغة العربية الكاملة، ويتم إعادتها إلى الزمن السماوي القبل خلقي، فتصبح لغة الملأ السماوي، ولغة آدم أبي البشر جميعا في الجنة، ثم لغة جميع الأنبياء، ثم ستكون لغة أهل الجنة بعد.

وعليه تم وضع الأنبياء في سياق تاريخي كان هدفه النهائي هو قيام دولة الإسلام المحمدية، وبحيث يكون النبي

صلى الله عليه وسلم

هو المحور والهدف الأول قبل آدم نفسه، ويظهر كل الأنبياء كخطوات تمهيدية تطورية تاريخية سابقة، كانت مهمتها التوطئة التاريخية لدولة النبي وأمة المسلمين، ويصبح جميع الأنبياء في بقاع مختلفة من عالم الشرق القديم، سواء من بني إسرائيل، أو من أنبياء عرب كصالح وهود في الشام واليمن، أو في العراق كما في حالة إبراهيم، أو في مصر كما في حالة موسى، يصبح كل هؤلاء بموروثهم النبوي، وجدلهم المعرفي والحضاري مع حضارات المنطقة، هم الامتداد التاريخي للأمة العربية الطالعة، وهو الأمر الذي سيلتقي تماما مع التوجهات المحمدية والتوجيهات لأتباعه بغزو تلك البلاد، باعتبارها ميراثا تاريخيا تقوم شرعيته على فلسفة الإسلام التاريخية، وكما ورث محمد كل النبوات، فإن كل بلدانهم بالتبعية وبالضرورة هي ميراث أتباع محمد، الذين هم أتباع لكل الأنبياء في جميع الأمم.

ومن هنا تتالت آيات القرآن الكريم لتعزيز تلك «التاريخية» للأمة الطالعة، بما حوته من قصص الأنبياء؛ لتكون بمثابة إعادة اكتشاف للهوية التاريخية ولتشكيل ماضي الأمة.

ولأن الغرض «توحد» في أمة «موحدة» في عقيدتها، فقد أصبح كل الأنبياء السوالف موحدين؛ ومن ثم كان الهجوم التكفيري على بعض الآراء والعقائد في الديانات السابقة والتي دخلتها شبهة عدم التوحيد، كما في بعض حالات أنبياء اليهودية وفي حالة يسوع المسيح، لتصبح القيم التي مثلوها هي القيم التي تتساوق وتتناغم وتتضافر مع دعوة النبي التوحيدية الموحدة لتوحيد قبائل العرب في دولة مركزية واحدة.

ومن ثم تتالت الآيات القرآنية تؤكد

إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء (الأنعام: 159)، وهي الآيات التي تعني أن تلك القبائل إنما كانت في الأصل على الدين النبوي التوحيدي الذي أسسه سلسال الأنبياء السابقين، وأنهم انقسموا بعد ذلك قبائل وشيعا؛ مما يعني أن الوحدة والتوحيد كانا الأصل ، ومن ثم ينقلب منطق التطور على عقبيه لصالح التأسيس التاريخي للأمة، ومن ثم كان نداء الآيات

Shafi da ba'a sani ba