Yakin Daular Manzon Allah (Sashe na Farko)
حروب دولة الرسول (الجزء الأول)
Nau'ikan
وإعمالا لجدل الأحداث أخذ الفارق الطبقي بالاتساع السريع والهائل ليصبح سواد العرب من الفقراء والمستضعفين يعملون في رعي الأغنام والفلاحة وتجارات البيع البسيط، يسكنون الخيام والعشش والأكواخ الحقيرة، ويسمعون عن الخبز ولا يأكلونه؛ حيث كان الخبز من علامات الوجاهة والثراء، ولا يعرفون عن اللحم سوى الصليب، وهو ودك العظام؛ تجمع وتهشم وتغلى على النار طويلا؛ ليحصلوا منها على الصليب. وغالبا ما عاشوا على مطاردة ظباء الصحراء وأورالها ويرابيعها. ونقصد بهؤلاء الفقراء؛ عرب صرحاء من أبناء قبائل متميزة، دفعتهم إلى الأسفل آلة التغير الاقتصادي والمجتمعي.
ويلي تلك الطبقة في التدني، طبقة الموالي، وهم من أبناء قبائل أخرى تركوها ولجئوا لقبائل مخالفة، أو كانوا أسرى فك أسيادهم أسرهم، أو أعاجم أرقاء أعتقهم سادتهم بمقابل. وقد شكل هؤلاء طبقة بين أبناء القبيلة الخلص الصرحاء وبين العبيد.
ثم طبقة أخرى ظهرت بدورها نتيجة التفاوت الطبقي الحاد، وتكونت من أفراد تلبستهم روح التمرد على أوضاع المجتمع الجديد، فتصرفوا بتلك الروح فأضروا بمصالح السادة، فخلعتهم قبائلهم وتبرأت من فعالهم بإعلان مكتوب أو في الأسواق العامة، وهي الطبقة التي عرفت باسم «الخلعاء».
أما أبرز تلك الطوائف أو الطبقات التي أفرزها المتغير الاقتصادي المجتمعي، فهي «الصعاليك»، وهم فئة لا تملك شيئا من وسائل الإنتاج، تمردت على الأوضاع الطبقية، بل وشنت عليها الحرب؛ بخروجهم أفرادا عن قبائلهم باختيارهم، وتجمعهم على اختلاف أصولهم في عصابات مسلحة. وأبرز الأسماء التي وصلتنا منهم: عروة بن الورد، وتأبط شرا، والسليك ابن السلكة، والشنفرى، وقد أطلق عليهم العرب «الذؤبان»، و«العدائين» لسرعتهم.
وقد روي عن هؤلاء أنهم كانوا ذوي سمات متميزة، من الشهامة والمروءة والنبالة، وأخلاق الفروسية، فكانوا لا يهاجمون إلا البخلاء من الأغنياء، ويوزعون ما ينهبون على الفقراء والمعدمين، بعد أن شكلوا لأنفسهم مجتمعا فوضويا؛ شريعته القوة، وأدواته الغزو والإغارة، وهدفه الأول السلب والنهب، وهدفه الأخير تعديل الموازين المجتمعية.
وتروي لنا كتب السير والأخبار وطبقات الشعراء أشعارا للصعاليك؛ ينعكس فيها الإحساس المرير بوقع الفقر عليهم وفي نفوسهم، ويضج بشكوى صارخة من الظلم الاجتماعي، وهوان منزلتهم. فهذا «قيس بن الحدادية» يخبرنا أنه لم يكن يساوي عند قومه عنزة جرباء جذماء. أما الأخبار عن الشنفرى فتروي كيف أسلمه قومه هو وأمه وأخاه رهنا لقتيل عن قبيلة أخرى، ولم يفدوهم، وكيف تصعلك الشنفرى ورفع سيف ثورته بعد أن لطمته فتاة سلامية؛ لأنه ناداها: يا أختي؛ مستنكرة أن يرتفع إلى مقامها.
ومن مثل تلك الأخبار نستطيع تكوين فكرة واضحة عن المدى الذي فعله المال داخل القبيلة، مما أدى بالصعاليك إلى فصم علاقتهم بقبائلهم، وتكوين جماعتهم المسلحة ضد الأغنياء؛ لينزعوا منهم مقومات الحياة الإنسانية التي أهدرها الواقع، وهو المبدأ الذي يتجلى واضحا في شعر «عروة بن الورد» وهو يقول:
إذا المرء لم يبعث سواما ولم يرح
عليه ولم تعطف عليه أقاربه
فالموت خير للفتى من حياته
Shafi da ba'a sani ba