Yancin Dan Adam da Kimiyya: Matsalar Falsafa
الحرية الإنسانية والعلم: مشكلة فلسفية
Nau'ikan
منها مثلا أننا لا نشعر دائما بتلك الضرورة الكامنة فينا، بل كثيرا، والأدهى خصوصا حين المواقف التي تتجلى فيها الحرية الإنسانية، كثيرا ما نشعر بالتردد والعجز عن اتخاذ القرار، ولم ينكر هيوم تلك الحيرة البادية أحيانا، ولكن رد على هذا الاعتراض بأن الضرورة ليست خاصية للفاعل بل للوجود الأنطولوجي، وإذا وجد ذهن على مستوى عال - كعقل لابلاس الفائق - سيفهم الفعل وبالتالي يدرك العلل التي حتمت التصرف النهائي، وإن غابت هذه العلل عن الفاعل نفسه، فأبدى ترددا في البداية، وبصفة عامة حاول هيوم أن يرد كثيرا من الاعتراضات.
ولكن بقي اعتراض هو الجوهر والأصل والعماد، اعترف هيوم بأنه يخل فعلا بمحاولته لإنقاذ المسئولية، وهو الاعتراض القائل إن العلل المحتمة للإرادة الفردية والسلوك الجزئي، تمتد في النهاية إلى آخر سلسلة العلل الأبدية، كما هو معروف طبقا للتصور الحتمي الشمولي المغلق للكون، وهذه السلسلة تصل في النهاية إلى العلة الأولى، خالق هذا الكون الموجد لسلسلة العلل، أي الرب ... فكيف يمكن أن يتحمل الفرد الآتي في نهاية السلسلة، والآتي كمعلول قبل أن يكون علة فاعلة ... كيف يمكن أن يتحمل المسئولية؟! واعترف هيوم بأنه لا يجد أية إجابة مرضية.
16
إذا فعلى الرغم من أنه راح يعزينا بحرية هي انسياق للضرورة الكونية، أي بلا حرية أو بحرية شبيهة بحرية جورج أورويل الوهمية ... على الرغم من هذا عاد ليعترف بصعوبة الإقرار بالحرية الإنسانية - وبالتالي المسئولية - في قلب سلسلة العلل الأبدية المشكلة للعالم الحتمي.
عدنا من حيث بدأنا، من حيث إن الحتمية تنفي الحرية الإنسانية، وبالتالي المسئولية الخلقية.
على أية حال علمنا سبينوزا جيدا، كيف تنفي الحتمية الصارمة الحرية الإنسانية، ولا داعي لأن نعيد ونزيد.
ولا يبقى من يستحق وقفة من الحتميين الصارمين إلا الماركسيون، فقط لشهرتهم الذائعة، فهم لم يأتوا بجديد في هذا الأمر، إنهم يبدءون من الأصل الهيجلي الذي يطرح قضيتنا نفسها، وإن كانت قد أتت مع هيجل (1770-1830) في سياق ميتافيزيقي لا علمي، أي: إن الحرية تعني في صميمها الشعور بالضرورة وعلى الرغم من أن الماركسية جعلت هذا الطابع الميتافيزيقي علميا، فإنها لم تخرج خروجا حقيقيا عن الهيجلية التي وضعت مشكلة الحرية في نطاق الدولة ورفضت حصرها في نطاق الوجدان المحض، وظلت الحرية عند هيجل لا تطابق بحال اختيار الفرد العابر، بل تتحقق في الدولة عبر انسياب التاريخ، الفرد لا يتحرر إلا عندما تتطابق إرادة الله مع أهداف الدولة، هكذا يربط هيجل بين نظرية الحرية ونظرية الدولة، بل يربطهما في النهاية بنظرية التاريخ ونظرية المعرفة ونظرية الكون، وليست هذه المفاهيم سوى تشكلات لمفهوم واحد، هو مفهوم المطلق الذي يظهر مجردا أو محققا، عاما أو مخصصا، في صورة متعددة، على مستويات مختلفة،
17
وبالطبع ابتلع هذا المطلق حرية الإنسان، وراح هيجل هو الآخر يحدثنا عن حرية هي في حقيقتها اللاحرية.
فأخذ الماركسيون منه أن الحرية هي عينها الضرورة، وأنها لا تتحقق إلا عبر تطورات التاريخ فانتهوا إلى أن الحرية هي تلك الإمكانية التي نستطيع بمقتضاها أن نجعل قوانين الطبيعة مثمرة، ولئن كان الإنسان محكوما بقوانينه الخاصة، فلديه شعور بتلك القوانين، وهذا الشعور نفسه هو المظهر الحقيقي للحرية البشرية على نحو ما ينبغي فهمها؛ لهذا يقرر الماركسيون أنه ليس أمعن في الخطأ من أن نتصور الحرية على أنها خرق للقوانين الطبيعية وانفصال تام عن الضرورة الكونية، إن مثل هذه الحرية المزعومة إن هي إلا وهم من أوهام أولئك الميتافيزيقيين الحالمين الذين لا يعترفون بالعلم ولا يقيمون وزنا للعلاقة الوثيقة التي تجمع الإنسان بالطبيعة وتخضعه لقوانينها الحتمية، حرية البشر تتوقف على مدى معرفتهم بتلك القوانين ودرجة علمهم بما يترتب عليها من نتائج، تتناسب درجة الحرية الإنسانية طرديا مع معرفتنا بالعملية العلية وبالضرورة، ولما كان الماركسيون قد نفوا الحرية الأنطولوجية هكذا صراحة وأفسحوا كل المجال للحتمية الصارمة، فقد سهل عليهم تلقي الدرس الهيجلي، ورفضوا الاعتراف بحرية فردية تتحقق للفرد بصفته العينية في صورة اختيار بين بدائل، بل رأوا الحرية تجربة اجتماعية في علاقة الإنسان بالعالم والآخرين، ومهمة الفيلسوف عندهم ليست في تحرير الإنسان من الحتمية، فهذا ما لا سبيل إليه، بل في تحريره من العبودية، ولكن، هل حقا نجحت النظم الماركسية في تحرير الإنسان من العبودية على أساس هذا الموقف الفلسفي المتناقض بصدد مستويات الحرية؟ إن الإجابة عن هذا بالنفي - تنقلنا إلى المستوى الثاني من الحرية، ونحن الآن منشغلون فقط بالمستوى الأول الذي رأينا كيف أزاحته الحتمية الصارمة تماما. (15ب) «نفي الحرية»: الحتمية الرخوة: دعاتها كثيرون. شهدت الفلسفة المعاصرة منهم شليك وآير وآخرون من دائرة فيينا، وفلاسفة اللغة الجارية رايل وأوستن وستراوسون، وجم غفير آخر، هم قوم عز عليهم هذا المآل للحرية.
Shafi da ba'a sani ba