كلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ، وقال تعالى:
ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا ، وقال:
والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ، وقال:
ولا تبذر تبذيرا * إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين ، ولما كان الشأن في الحرير والنقدين الذهب والفضة غلاء الثمن لنفاستها وندرتها، منع من استعمالها على التعيين، وميز النساء في حكمها على الرجال، فأباحها لهن لباسا لاحتياجهن إلى الزينة والتحسين أكثر مما يحتاج الرجال، فالنهي عن استعمال الذهب والفضة ولبس الحرير مبني على رعاية حفظ المال عن التبذير والإنفاق لغير مصلحة، ويحسب كثير من الناس أنها لم تحرم إلا لقهر النفوس وقطع أعناقها عن الفخر والتباهي، وليس بصحيح، وإلى هذه القاعدة - قاعدة الاقتصاد - ترجع أحكام الحجر على الصبي ومن لا يحسن التصرف في ماله.
وحرمت الإسلامية من المطاعم ما كان رجسا يعافه الطبع ويتقذره الذوق كالميتة وما ألحق بها، أو موبقا للبدن كالسموم وما شاكلها، أو مؤثرا على العقل كالمسكرات، ولا ينازع في قبيح مفسدتها إلا من غرق في سكرة من الجهل والغواية، يقول أبناء الحانات في إطرائها: تغرس الشجاعة في النفوس. قلنا: في إرغام وجوههم، أما بعد مفارقتها صحوا، فإنكم تعودون إلى سجيتكم الأولى من الخور والجبن، وأما حال استيلائها على عقولكم فلا حكمة ولا تدبير ولا شجاعة إلا بهما.
قالوا: تسلي الهموم. قلنا: وتحل عقدة اللسان فينثر ما في كنانات القلوب من أسرار تخشون إذاعتها. وتسلية الهموم تثقف العزائم عن مقاومة أسبابها الجالبة لها إن استطاع إليها حيلة، وإلا فالعقل الصحيح أكبر مجلبة للسلوان وأعز مدافع لها عند الهجوم. قالوا: تبعث في الفؤاد سرورا. قلنا: تبعث في هيئة حركاتكم كياسة تسر الناظرين، أما ما زعمتموه من مسرتكم فضرب من التوسع في الخيال؛ إذ السراء التي يتطلبها الخاطر ويهنأ لها ارتياحا ما كانت ناشئة عن موجب يشمله الوجود.
ولا ننسى أن كثيرا من الشعراء قد طغى بهم الإبداع في المقال إلى أن نسقوا في مديح الخمر صفات الجمال، وضربوا للتنويه بشأنها الأمثال، فاستهووا لمعاقرتها عبيد الخيال والشعراء يتبعهم الغاوون.
فالإسلام وإن عني بتزكية الأرواح وترقيتها في مراقي الفلاح لم يبخس الحواس حقها، وقضى للأجسام لبانتها من الزينة واللذة بالقسطاس المستقيم.
روي أن عبد الله بن أبي السمط أنشد بين يدي المأمون أبياتا يمتدحه بها، فلما انتهى عند قوله:
أضحى إمام الهدى المأمون مشتغلا
Shafi da ba'a sani ba