وأما المعنى الآخر : فبين في لسان العرب موجود ، معروف عند كلها محدود وهو أن يكون معنى قوله : { أغفلنا قلبه عن ذكرنا } أي تركناه من ذكرنا والذكر هو التذكرة من الله والتسديد والتعريف والهداية إلى الخير والتوفيق فيقول سبحانه : تركنا قلبه من تذكيرنا وعوننا وهدايتنا بما أصر عليه من الإشراك بنا والإجتراء علينا ، تقول العرب : يا فلان أغفلت فلانا ، ويقول القائل : لا تغفلني أي تتركني ، وتقول العرب : قم مني ، أي قم عني ،فتخلف بعض حروف الصفات ببعض وتقيم بعضها مقام بعض ، قال الشاعر :
شربنا بماء البحر ثم ترفعت
لدى لجج خضر لهن نئيج
فقال : لدى للجج ، وإنما يريد على لجج ، فذكر السحاب وشربها من البحار ، واستقلالها بما فيها من الأمطار ، وقال آخر :
أغفلت تغلب من معروفك الكاسي
فخلت قلبك منهم مغضبا قاسي
فقال : أغفلت تغلب من معروفك ، أي تركتها من عطائك ونوالك ومنتك وأوصالك ، ثم قال : فخلت قلبك منهم مغضبا قاسي ، فقال : منهم ، وإنما يريد عليهم غضبا ، فأقام حرف الصفة وهو ( من ) مقام أختها وهي ( على ) ، وأقام ( منهم ) مقام ( عليهم ) ، فهذا معنى الآية إنشاء الله ومخرجها ، لا ما توهم الجهال على ذي المعالي والجلال من
الجبر لعباده والإضلال ، والظلم والتجبر بالإغفال ) (1) .
5 فهم الأحاديث النبوية في ضوء القرآن الكريم :
وإذا أردنا عبودية عقائدية صادقة ، فلا بد أن تكون وفق الصفات اللائقة بالله تعالى ، ومن المستحيل أن يتناقض الوحي في هذه الصفات سواء في الكتاب أو السنة فأما الكتاب فقد تقدم كيفية التعامل معه وأما السنة فلا بد أن يكون الحديث المستدل به منها في أمر العقيدة قطعيا متواترا ، وبما لا يتعارض مع القرآن الكريم بوجه أو بآخر ، ويلزمنا عدم المجازفة في الرد والقبول .
Shafi 50