فإنكما سألتماني عن حقوق الله عز وجل وكيف يسلم العبد بتأديتها وكمالها ؟ فاعلموا أن حقوق الله عز وجل محيطة بعبادة في كل حركة ، وسبيل ، وحال ، ومنزل ، وجارحة ، وآلة ، وحقوق الله تعالى بعضها أكبر من بعض .
فأكبر حقوق الله تعالى : ما أوجب على عباده من حقه ، وجعله أصلا لحقوقه ، ومنه تفرعت الحقوق . ثم ما أوجبه من قرن العبد إلى قدمه على إختلاف الجوارح ، فجعل للقلب حقا ، وللسان حقا ، وللبصر حقا ، وللسمع حقا ، ولليدين حقا ، وللقدمين حقا ، وللبطن حقا ،
وللفرج حقا ، فبهذه الجوارح تكون الأفعال .
وجعل تعالى للأفعال حقوقا ، فجعل للصلاة حقا ، وللزكاة حقا ، وللصوم حقا وللحج حقا ، وللجهاد حقا ، وجعل لذي الرحم حقا .
ثم إن حقوق الله تتشعب منها الحقوق ، فاحفظوا حقوقه .
فأما حقه الأكبر : فأن يعبده العارف المحتج عليه فلا يشرك به شيئا ، فإذا فعل ذلك بالإخلاص واليقين فقد تضمن له أن يكفيه ، وأن يجيره من النار .
ولله عز وجل حقوق في النفوس : أن تستعمل في طاعة الله بالجوارح ، فمن ذلك : اللسان ، والسمع ، والبصر ، قال الله عز وجل في كتابه : { إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا } [ الإسراء : 36 ] .
فاللسان : ينزه عن الزور ، والكذب ، والخناء ، وأن تقيمه بالحق لا تخاف في الله لومة لائم ، وتحمله آداب الله ، لموضع الحاجة إليه ، وذلك أن اللسان إذا ألف الزور والكذب والخناء اعوج عن الحق ، فذهبت المنفعة منه ، وبقي ضرره ، وقد قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وسلامه : ( يعرف ذو اللب بلسانه ) .
وقال صلوات الله عليه : ( المرء مخبوء تحت لسانه ) وقال صلوات الله عليه وسلامه : ( لسان ابن آدم قلم الملك ، وريقه مداده ، يا ابن آدم
فقدم خيرا تغنم أو اصمت عن السوء تسلم ) .
Shafi 14