45

Damuwar Masana

هموم المثقفين

Nau'ikan

فقال لها شهريار، لك يا شهرزاد أن تصمتي ما شئت، وإنما دعوتك لأكون أنا الحاكي هذه الليلة، ولتكوني أنت المستمعة ، على أن حكايتي لن تكون من جنس حكاياتك الفاتنة بسحرها؛ فقد كنت تستخدمين معي ضروبا من الخيال الجريء الضارب بأجنحته في أجواز المحال، كنت تأخذينني على بساط الريح تارة، وفي الأنفاق المحفورة في جوف الأرض تارة، كانت ضغطة خفيفة منك على خاتم مسحور كفيلة بزحزحة الجبال، وكانت لفظة واحدة تنفثها ساحرة، كافية لإخراج الجن من قماقمه، كان المصباح السحري يصنع المعجزات لعلاء الدين، وكان الرمز الخالي من المعنى يفتح مغاليق الكنوز.

أما حكايتي يا شهرزاد فلا خيال فيها ولا سحر، بل هي حقيقة مأخوذة من وثائق التاريخ؛ فقد جاءني خازن كتبي بكتاب يروي عن مدينة وأهلها أمرا عجبا؛ فهي مدينة من ورق، كلها ورق في ورق، بيوتها من ورق، ومصانعها من ورق، وشوارعها وأنهارها وجسورها من ورق، وأعجب من ذلك أن طعام الناس فيها وشرابهم كانا كذلك من ورق، وأما الناس أنفسهم فهم كسائر الناس، كسيت عظامهم لحما، وتجري في شرايينهم الدماء، ولهم أجهزة الأعصاب التي تفرح وتحزن وتسخط وترضى، كما أن لهم المعدات التي تهضم الطعام لو وجدت طعاما.

قلت لخازن كتبي، وقد كان يفتح كتابا في يده عند الموضوع الذي ذكرت فيه تلك المدينة العجيبة وتاريخها، قلت له اقرأ فإني مستمع! فقرأ لي عن هؤلاء الناس كيف كان وصف الشيء بالكلام يغنيهم عن الشيء نفسه؛ فهي طريقة مجربة عندهم، مارسوها فنجحت فمضوا في ممارستها أعواما بعد أعوام، فلا مات أحد من قلة الطعام والشراب، ولا انهدم بيت على ساكنيه، ولا خلت الطرق من زحامها بعباد الله، ولم تهدأ للناس في تلك المدينة حركة لا بالليل ولا بالنهار.

اشتد بي العجب، فقلت للخازن: امض يا ولدي في قراءة ما أنت قارئه، قل لي كيف كانت تلك المدينة تزرع زرعها، وكيف كانت تصنع صنائعها، وكيف كانت تربي أبناءها، وكيف كانت تعالج شئونها جميعا؟ فقرأ الخازن، وإذا اللغز يزداد غموضا! كيف أمكن لهؤلاء القوم أن يقولوا للأرض الزراعية: زيدي فتزيد؟!

قال القارئ لشهريار: إنهم كانوا يستخدمون طرق التنجيم، وهي طرق ورثوها فيما ورثوا من حضارة السالفين؛ فقد كان لأسلافهم علم اسمه علم الطلاسم.

سأله شهريار: أسرع وقل لي كيف كان ذلك ليتم لهم؟

قال القارئ: مذكور في هذا الكتاب، أنه لكي ندرك كيف يفعل الطلسم فعله فيما يراد له أن يفعله، فينبغي أن نقلب هذه الكلمة، فعندئذ نراها تفسر نفسها بنفسها؛ فمقلوب الكلمة هو «مسلط» (بتشديد اللام)؛ أي إن شيئا يسلط على شيء؛ «فالسلطة» هي مكمن السر في كل شيء.

فإذا ابتغينا استحداث شيء ما، سلطنا عليه ما يماثله، وإذا أردنا أن نتقي شيئا ما سلطنا عليه ما يقابله؛ أي ما يضاده؛ فالمثيل يستخدم لاستجلاب مثيله، والمقابل يستخدم لإبعاد مقابله؟ على أن المماثلة والمقابلة مرتبطان بالكواكب والبروج؛ وعلماء التنجيم قادرون على أن يضبطوا التوقيت الذي يتم فيه استجلاب شيء تحت كوكب معين أو في برج معين، والذي يتم فيه إبعاد شيء يراد التخلص منه.

فلنفرض الآن أننا نريد زيادة مساحة الأرض المزروعة دون أن نلجأ في ذلك إلى حساب أو قلاب، فما علينا إلا أن نماثل بين الزراعة من جهة، وكواكب السماء وبروجها من جهة أخرى. أليست الزراعة تتميز بصفتين من الصفات الأربع التي كانت فيما مضى أساسا للعلم كله، فتتميز الزراعة من تلك الصفات بصفتي البرودة والرطوبة؟ إذن فلنبحث في بروج السماء عما يتصف بهاتين الصفتين المطلوبتين. ويقول علماء التنجيم في ذلك إن هنالك ثلاثة بروج فيها هاتان الصفتان، وهما بروج السرطان والعقرب والحوت؛ وبهذا يصبح الطريق واضحا، وهو أن نكرر كلمة «زرع» آلاف المرات عندما يكون أحد هذه البروج قائما، فيحدث تسلط المثيل على مثيله، فتنزع الأرض كما أردنا لها.

وهكذا يا مولاي في كل الأمور، نريد مثلا شفاء الناس من أمراضهم، فها هنا تكون الخطة هي أن نصنف خصائص الأمراض تحت الصفات، ومضى خازن الكتب يقرأ علي - هكذا قال شهريار في حكايته لشهرزاد - كل ما جاء في ذلك الكتاب العجيب عن تلك المدينة العجيبة، وكان من أغرب ما قرأ، أن المسألة كلها تبدأ بالحروف؛ فهنالك حروف نكتبها فإذا الشيء الفلاني يحدث، لما بين ذلك الشيء والحروف المكتوبة من صفة مشتركة، فإذا أراد القوم - مثلا أن يزيدوا من كمية اللحم والدجاج في الأسواق، بحثوا أولا عن طبيعة اللحم والدجاج من حيث صفاتها، فإذا وجدوا أنها تتصف بالحرارة والرطوبة، كتبوا على رقعة من الورق مجموعة الحروف الدالة على الحرارة، وهي: ا ه ط ف ش د، وعلى رقعة أخرى من الورق مجموعة الحروف الدالة على الرطوبة وهي: و ح ل ع ر خ غ، وتوضع الرقعتان بطريقة خاصة وفي وقت خاص، فإذا الأسواق ملأى باللحم والدجاج.

Shafi da ba'a sani ba