شكل 2-2: مقبرة ثولوس مقببة شبيهة ب «خلية نحل»، بالقرب من مدينة بيلوس في الجزء الجنوبي الغربي من إقليم بيلوبونيز، ويرجع تاريخها إلى حوالي 1300 قبل الميلاد. ورد في «الإلياذة» أن نيستور السبعيني الثرثار جاء من «بيلوس الرملية». الصورة للمؤلف.
ومع ذلك، فكلما ازدادت معلوماتنا عن العصر البرونزي اليوناني، تعاظم ظهور التفاوت بينه وبين عالم هوميروس. لا يعرف هوميروس شيئا عن مقابر «ثولوس» الميسينية الضخمة الشبيهة بخلايا النحل (أي مقابر مقببة/ذات قباب)، التي هي نوعا ما عبارة عن سرداب مخروطي يتسع في بعض أجزائه حتى يصل إلى أبعاد ضخمة، ويزوره حاليا آلاف السائحين كل عام خارج أسوار ميسينيا. في قصائد هوميروس، دائما ما تحرق جثامين الموتى، بينما كانوا في العصر البرونزي المتأخر يدفنون في هذه المقابر التي تحاكي شكل خلية النحل (انظر شكل
2-2 ).
لا يعرف هوميروس شيئا عن بيروقراطيات القصر التي كانت تدعمها الكتابة المقطعية التي ندعوها النظام الخطي باء، والتي نقشها كتبة محترفون على ألواح طينية. فالصورة التي يقدمها هوميروس للزعماء المحاربين المستقلين الذين يعيشون، مثل أوديسيوس، في إيوانات مستطيلة ذات سقف مائل خالية من الزخرفة وأرضيات ترابية مدكوكة لا تتفق مع الأنظمة الملكية المنظمة في مدن ميسينيا، وكنوسوس، وبيلوس، وطيبة في العصر البرونزي، حيث كان الملوك يعيشون في إيوانات مربعة ذات أسقف مسطحة وأرضيات حجرية وزخارف جصية متقنة على الحوائط، ومن تلك الإيوانات كانوا يديرون دفة اقتصاد متطور وهرمي.
منذ أواسط القرن العشرين تقلصت عناصر العصر البرونزي المدعى وجودها في «الإلياذة» و«الأوديسة»، التي كانت يوما تشكل قائمة طويلة، إلى بضعة عناصر قليلة. فهناك حرب طروادة نفسها؛ بافتراض أنه لا بد وأن حدثا تاريخيا ما قد أوحى بقصص عنها. تصنع الأسلحة دائما من البرونز، ومع ذلك يصف هوميروس أدوات الحياة اليومية بأنها مصنوعة من الحديد. وهناك الخوذة المصنوعة من أنياب خنازير برية مخيطة في طبقة من اللباد المذكورة في الكتاب العاشر من «الإلياذة»، المعروف باسم «أنشودة دولون» (الإلياذة، 10، 260-271)؛ إذ تظهر رسوم تصويرية تشبه تماما هذه الخوذات الغريبة على لوحات جدارية جصية في بيلوس ترجع إلى حوالي عام 1200 قبل الميلاد في جنوب غرب إقليم بيلوبونيز والمذهل أنها مرسومة على بردية تعود إلى عاصمة الفرعون المصري المهرطق إخناتون (حوالي 1367-1350 قبل الميلاد). يوجد هذا النوع من الخوذات في مقابر ميسينية من القرون السادس عشر وحتى الحادي عشر قبل الميلاد (شكل
2-3 )، إلا أنها لم تصور مطلقا بعد حوالي عام 1200 قبل الميلاد، حينما بدا أنها قد صارت عتيقة الطراز. في الحقيقة إن هوميروس يسمي الخوذة موروثا، أي شيئا من عصر سابق، ويعرض تسلسل مالكيها؛ فخوذة أنياب الخنازير البرية حتى في قصائد هوميروس تعد قطعة أثرية.
شكل 2-3: درع برونزي وخوذة بحالة سليمة مصنوعة من أنياب خنازير برية عثر عليها في مقبرة في بيلوبونيز، ويرجع تاريخها إلى حوالي عام 1200 قبل الميلاد. متحف نافبليو. الصورة لصندوق مداخيل التراث، مرفق تي إيه بي.
معظم التروس في قصائد هوميروس مستديرة، ولكن في مرات عدة يصف هوميروس درعا بأنه «كالجدار»، وهو ذلك الدرع الذي يحمله أياس (مثال ذلك: الإلياذة، 7، 219). وعادة ما يصف درع هيكتور بأنه مستدير، إلا أنه ذكر مرة واحدة أنه بالغ الضخامة حتى أنه «يصطدم بكاحليه وعنقه» (الإلياذة، 6، 117-118)، كما لو كان هو أيضا «كالجدار». يبدو أن هوميروس يخلط بين نوعين من الدروع، الدرع المستدير الذي كان شائعا بالفعل قرب أواخر العصر البرونزي، ودرع آخر أقدم يشبه الدروع «العالية» الطويلة، العريضة المرسومة على خناجر عثر عليها في المقابر العمودية في مدينة ميسينيا، والتي ترجع إلى حوالي عام 1600 قبل الميلاد (انظر شكل
2-4 ). كان الكريتيون منذ أزمنة سحيقة يستخدمون دروعا طويلة تغطي الجسد بأكمله وتتخذ شكل الرقم ثمانية في اللغة الإنجليزية ومصنوعة من جلد ثور مشدود على إطار خشبي. ونقل منهم اليونانيون الميسينيون هذا الطراز من الدروع، وفيما يبدو أن هوميروس يعرف شيئا عن كلا النوعين.
ويظهر التباس مماثل بين القديم والحديث في وصف هوميروس للقتال بالرماح. فحسب التمثيلات الفنية، كان المقاتلون في العصر البرونزي يستخدمون رمحا طعنيا منفردا، وأحيانا ما يكون بالغ الطول (انظر شكل
Shafi da ba'a sani ba