basileis ]» (الإلياذة، 2، 247). لم يكن ثمة وجود لطبقة أرستقراطية متحررة تتسم فيما بين أفرادها بالمساواة مثل طبقة المحاربين اليونانيين في الشرق الأدنى القديم، حيث كانت الثروة المهولة، التي تولدت عن طريق الزراعة القائمة على الري على ضفاف أنهار دجلة والفرات والنيل، قد شكلت منذ زمن بعيد مجتمعا قائما على التقسيم الطبقي الحاد.
تدور أحداث «الإلياذة» حول رجال في حرب. منذ بدء البشرية، متى بدأت، كانت الحرب امتيازا خاصا بالذكور. ولا يعتقد أنه قد يكون ثمة عالم من دون حرب - من قبيل العبث الاعتقاد بذلك - ولكن معاناتها تقف على طرف النقيض من سبل السلام الرقيقة، عندما كانت النساء الطرواديات يغسلن ثيابهن عند المجاري المائية التي تنساب ساخنة وباردة، والتي مر بها آخيل وهو يطارد هيكتور حتى قتله. الحرب هي ما يفعله الرجال؛ حيث يموتون بطرق مروعة، بينما ترقب النساء مصائرهن بأن يصرن أرامل أو تمسك بهن أيادي السباة العنيفة، الذين سوف يغتصبونهن ويستعبدونهن. يعطي زيوس، حسبما يذكر آخيل في مشهد «فدية هيكتور»، للبعض نصيبا كله من الشرور، ولكن آخرين ينالون بعض الخير إلى جانب الشر. لقد كانت «الإلياذة»، في تشاؤمها العنيد الخالي من القواعد حيال نضال البشر الفانين، تتناول الحياة الواقعية، وما زالت عن الحياة الواقعية.
إننا نستمتع بدراسة القصيدة؛ لأننا نتعرف على العالم الذي تصوره. الخوف هو عدو الجميع، كما نعرف في الخطب الحماسية العديدة في «الإلياذة»، لكن المحارب يتغلب على خوفه. فهو شخص واقعي. في «الإلياذة» يضرب هذا القانون البطولي، كما يطلق عليه، عرض الحائط بالدولة الناشئة التي لا تعتمد فيها القوة والاحترام اعتمادا كاملا على الرجولة، وإنما على الاتفاق العام على أن السلطة المركزية هي للصالح العام. وعلى حجة أجاممنون بنيت أنظمة ستالين وهتلر وماو الاستبدادية الحديثة. ومن المؤكد أن آخيل لا يعجبه ما تعني الدولة الناشئة بالنسبة إليه؛ وهو إذلاله.
قد نتفق على أن أجاممنون هو أول بين أنداد، ولكنه يتصرف مثل لص ليثبت رجولته على حساب آخر، في حين أن سلطته باعتباره رجل دولة يجب أن تعتمد على أساس مختلف. ومن ناحية أخرى فمسلك أجاممنون لا يحتمل؛ فهو يستسلم للغضب عندما لا يجد خيارا أمامه إلا رد أسيرة الحرب الخاصة به؛ ورجل الدولة لا يجب أن يستسلم للغضب. فيسعى لفرض سيطرته على من حوله باندفاع أهوج، وينطلق كالمجنون، يحطم الأشياء يمنة ويسرة. لا شيء إلا الهدوء يمكن أن ينقذ آخيل، ولكن آخيل هو الآخر رجل يتسم بالغضب. وقسمته من شخصيته؛ فهو يزعم أن في مقدوره أن يختار مسارا آخر، حياة طويلة مبهمة مع أسرته هناك في فثيا بدلا من المجد ووفاة مبكرة وأنشودة في مسامع الرجال، لكنه لا يملك أي خيارات ولم يفعل أبدا.
ذلك هو السبب في أن مسلك أجاممنون الشنيع يزلزل نفس آخيل. فآخيل يدافع عن الحرية. إن أجاممنون يسلبه مجده عن طريق السلطة التعسفية للدولة الوليدة. لا يستطيع آخيل أن يقتله (رغم أن نفسه تراوده أن يفعل)، إن كان يود بأي حال أن يعيد سؤدده إلى سابق عهده، وأثينا تؤكد له هذا. وفي الوقت الذي يتصرف فيه أجاممنون بطريقة شائنة، يقف أصدقاء آخيل المزعومين لا يحركون ساكنا ويحدقون ببلاهة. إنهم مذنبون شأنهم شأن أجاممنون بالتآمر لسلب كل ذرة هدف من حياة آخيل.
وكونه رجلا سمته الغضب يلاحق آخيل هيكتور ويقتله. ولا يتخلى عن غضبه إلا عندما يأتي بريام إلى خيمته ، الأمر الذي يمثل حل عقدة القصة. ربما كان سيقتل بريام، بل ربما كان ينبغي عليه أن يفعل هذا؛ فها هو والد الرجل الذي قتل صديقه. ولا يقتله لأنه يرى أنهما في حزنهما متماثلان. فينتحبان معا، ويأكلان معا، ويذهب الغضب، على الأقل في تلك البرهة. وتبلغ القصة منتهاها. ليس الدرس الأخلاقي «لا تغضب» هو ما يهز مشاعرنا، وإنما مشهد رجل توصل إلى فهم حيال وحدة الحياة البشرية.
في «الإلياذة» يتصارع أرستقراطيون في لعبة الشرف، ولكن في «الأوديسة» رجل واحد، بمفرده، يواجه العالم ويواجه الموت ذاته، الموت الذي سوف يبتلع آخيل في لحظة. وينجو أوديسيوس. لا يستسلم أوديسيوس للغضب مطلقا، وإنما يبتلع مشاعر الاستياء المحتدمة، ويخطط مستعينا بالسرية ليحقق بالنصر. ويحققه بالفعل.
يمزج هوميروس بحنكة ومهارة مذهلتين، بطل الحكاية الشعبية الذي يقاتل الوحوش ويقاوم الحسناوات مع المقاتل الطروادي الذي يدمر الأعداء بواسطة البراعة العسكرية. ويحقق هذا الدمج بوضع حكايات على لسان أوديسيوس عن مجابهاته التي تتخذ طابع الحكايات الشعبية، واضعا إياها على خط واحد في السرد. ويشبهه أنطونيوس بوضوح بمنشد ملحمي يفتن الجمهور. ولعل من الأفكار المحورية الطاغية في «الأوديسة» عظمة الإنشاد ومكانته المحورية في الثقافة في حين أنه، باستثناء شخصية ثاموريس المبهمة المذكورة في «قائمة السفن»، يبدو أنه لا وجود للمنشد الملحمي في «الإلياذة» (ينشد آخيل عن «مآثر الرجال المجيدة» بمصاحبة قيثارة (الإلياذة، 9، 189)، ولكن آخيل ليس منشدا ملحميا).
تحدث المغامرات في أرض خيالية حيث لا تجري الأمور مثلما تجري في عالمنا. فعلى جزيرة سيرس لا يمكنك أن تكتشف موضع شروق الشمس وموضع غروبها. تقف أرض الفياشيين، حيث ينشد أوديسيوس المنشد الملحمي أنشودته، على أرضية مشتركة؛ فهي لا تزال مملكة خيالية بوجود حيوانات معدنية نابضة بالحياة تقف أمام الأبواب وسفن سحرية توجه نفسها ذاتيا، ولكن لا وجود لأكلة لحوم البشر والوحوش والنساء المغريات المندفعات. وأخيرا، إيثاكا هي ما يمكن أن ندعوه العالم الواقعي (رغم أنه لا يزال ثمة متسع لإلهات متنكرات). بعبارات أشمل، إن رحلة أوديسيوس تأخذه إلى داخل عالم الرموز وعالم الأشباح، ثم تعود به عبر منزل انتقالي (كوخ إيومايوس) إلى الأفعال الهمجية الرتيبة لإيروس المتسول، وميلانثيوس الوضيع، والشهوات الفجة لشبان لا يملكون الحكمة.
إن موت البطل وميلاده من جديد، كما رأينا، من الموضوعات المحورية الرئيسية في رحلة أوديسيوس إلى وسط المحيط والعودة إلى المدفأة والأهل، ولكن استطرادا يمكننا أن نقول إن رحلته هي رحلة كل الذكور. يدخل أوديسيوس إلى كهوف، ويغلبه النعاس، ويستدرج بواسطة أغنية وامرأة. ودائما ما يكون انتصاره، الذي يميزه التعرف والتلفظ باسمه، عبارة عن حياة جديدة. وفي النهاية يضع يده على امرأته ويسيطر على منزله.
Shafi da ba'a sani ba