122

يعرض يوريماخوس، شاعرا بمسحة من التهذيب، على أوديسيوس عملا في مزرعته، ثم سرعان ما يسحب عرضه، وهو ما يؤدي إلى محاضرة أوديسيوس عن قواعد الفلاحة الصحيحة لرجل صالح. يظن يوريماخوس أن هذا المتسول أحمق مجنون، أو مخمور، ويخفق في إصابته بمتكأ يلقيه عليه. وهكذا يستمر المتسول في إثارة حفيظة الجميع. (19) «أوديسيوس وبينيلوبي» (19، 1-360؛ و508-604)، و«ندبة أوديسيوس» (19، 361-507)

ما إن يذهب الخطاب، حتى يعطي أوديسيوس تعليمات إلى تليماك بأن يزيل كل الدروع عن الجدران ويخبئها، متغافلا عن تعليماته السابقة بترك مجموعتين من الدروع؛ ولم يلاحظ الخطاب على الإطلاق الدروع المفقودة. ولما كان أوديسيوس قد أرسل الخادمات إلى غرفهن، تحمل أثينا بنفسها مصباحا ذهبيا لتقود تليماك إلى غرفة التخزين (لسنا متيقنين من مكانها)، وهي الإشارة الوحيدة إلى وجود مصباح في القصائد الهوميرية. ففي أشعار هوميروس عادة ما تكون المشاعل هي التي تنير الطريق، وليس ثمة وجود للمصابيح في السجل الأثري حتى القرن السابع قبل الميلاد. ربما يكون مصباح أثينا إشارة إلى عادة من العصر البرونزي، حينما كانت المصابيح شائعة وكانت تمثل جزءا من الطقوس، إن كانت أثينا تنحدر من إلهة من الحضارة المينوية، كما يعتقد كثيرون.

تدخل بينيلوبي لتجلس بجوار النار، فيخبرها الغريب أن أوديسيوس سيعود عما قريب إلى البيت، ويزعم، مجددا، أنه من جزيرة كريت، وهنا يعطينا هوميروس أول الأمثلة التي وصلتنا للجغرافيا التاريخية (باستثناء «قائمة السفن» الواردة في «الإلياذة»):

هناك أرض تدعى كريت في وسط البحر القاتم ذي اللون الخمري، أرض صالحة غنية محاطة بالمياه، ويوجد عليها رجال كثيرون، أكثر من أن يحصوا، وتسعون مدينة لا تتحدث كلها نفس اللغة، وإنما مختلطة الألسن. هناك يقطن الآخيون، وهناك يوجد الكريتيون المحليون العظام القلوب، وهناك السيدونيون والدوريون ذوو الريش المتموج والبيلاسجيون الطيبون. (الأوديسة، 19، 172-177)

توجد هالة من المعاصرة فيما يختص بحكايات أوديسيوس عن كريت والكريتيين، كما لو أن هوميروس كان يصف أحوالا عرفها وعاينها بنفسه. في هذا السياق من الممكن أن يكون الآخيون هم الميسينيين، والكريتيون المحليون هم دون شك المينويون، والسيدونيون، الذين عاشوا في شمال غرب كريت (خانية المعاصرة)، من مكان ما، والدوريون هم قوم موطنهم شمال غرب اليونان سيطروا على الجزيرة في الأزمنة الكلاسيكية. ولعل هذه هي الإشارة الصريحة الوحيدة في القصائد الهوميرية إلى «قبيلة» الدوريين، الذين كان بينهم وبين الأيونيين منافسة لدودة في الحقبة الكلاسيكية.

إن لقاء أوديسيوس وبينيلوبي منفردين في القاعة المتشحة بطبقة من السواد مبني في هيئة مشهد تعرف، حتى إن أوديسيوس يصف باستفاضة أمارة، دبوسا للزينة ارتداه أوديسيوس عندما قدم إلى كريت. ولكن أمر التعرف ما زال سابقا لأوانه. يعتقد البعض أن في صيغ أخرى للقصيدة تعرفا قد جرى بالفعل في هذه اللحظة، وأن الزوج والزوجة خططا معا لأمر مذبحة الخطاب. غير أنه في نسخة «الأوديسة» التي بين أيدينا، يقدم هوميروس بينيلوبي في شخصية لا ترغب في التصديق، فلا يمكنها أن تعطي اعتبارا لروايته مثلما لم تصدق تليماك ولا ثيوكليمينوس؛ لأنها تعرضت في أغلب الأحيان لخيبة الأمل. عليها أن تعتقد في الأسوأ. تشكر الغريب على حكايته، ثم تكافئه بغسل قدميه، وهي مجاملة تبدى للزوار المتميزين، وليس للمتسولين.

يقبل أوديسيوس بغسل قدميه، ولكنه لن يجعل أيا من الوصيفات الداعرات تلمس جسده. وكما لو كان يبحث عن المتاعب، يطلب عوضا عن ذلك المرأة الوحيدة في المنزل التي يمكنها حقا التعرف على هويته، وهو ما تفعله بالفعل أوريكليا عندما تلمس الندبة الموجودة في ساقه، التي تعد بمثابة أمارة التعرف. في الاستطراد الطويل حول كيفية إصابة أوديسيوس بهذه الندبة، وهو أطول استطراد في القصائد الهوميرية، نعرف أن جده أوتوليكوس (الذي يعني «الرجل الذئب») هو من سماه. من حين لآخر يتلاعب هوميروس بالألفاظ، وفي هذا الموضع يستخدم أوتوليكوس التورية فيما يتعلق باسم أوديسيوس:

أي زوج ابنتي وابنتي، فلتمنحاه الاسم الذي أقوله أيا ما كان هذا الاسم. ألا وإنني قد صرت هنا «رجلا مغاضبا من كثيرين» [

odussamenos ]، من رجال وكذلك نساء يعيشون على الأرض الخصيبة، لذلكم فليكن اسم المولود أوديسيوس [odusseus] . (الأوديسة، 19، 406-409)

ومع ذلك فالكلمة اليونانية

Shafi da ba'a sani ba