276

Hulal Sundusiyya

الحلل السندسية في الأخبار والآثار الأندلسية (الجزء الأول)

Nau'ikan

وهي اشبه بكنائس فرنسا. وأبهى تلك الكنائس كلها الكنيسة العظمى في برشلونة ، بناها فابر الميورقي. وفي القرن الخامس عشر بنيت كنيسة أشبيلية مكان الجامع الكبير الذي كان فيها، وهي أوسع بنية في ذلك العصر، بناها معلمون من هولاندة، وكانوا قد بدأوا يقلدون العرب في نقش الكتابات على أحجار المباني العامة، وتطريس الخطوط على الأبواب.

وأما في كتلونية فانتهى طرز إنشاء الكنائس بأن أصبح مطابقا تمام المطابقة لطرز بنائها في فرنسا، ولما كشف الأسبانيول أميركة، وبلغت أسبانية ما بلغته من العظمة والبسطة في القرن الخامس عشر، ازداد الأسبان تفننا في البناء، وشادوا تحت تأثير العز، ونشوة السلطان، وكثرة الخيرات، مباني مدهشة، تستحق السياحة من البلاد النائية، وذلك من قبيل «سان بابلو» و«سان غريغوريو» في بلد الوليد، و«سنتا كروس» في سقوبية، وفي ذلك العصر نبغ «خيل دوسيلو» الذي يعد عبقري وقته في البناء. إلا أنه قد دخل إذ ذاك في هندسة الكنائس في أسبانية بدعة لم تكن لتزيدها بهاء ولا رونقا، وهي جعل موضع خاص في وسط البيعة لأجل الأحبار والقسيسين، مما كان يخل بالهندسة، وينافي وحدة الخطوط.

وكذلك هناك بدعة أخرى، ليست بأقل منها هجنة، وهي الاجتهاد في منع النور عن الكنائس، وإبقاء داخلها مظلما بقدر الإمكان. وهذه العادة فاشية في أكثر بيع أوروبا حتى يظن الغريب الجاهل بالأوضاع أن الظلمة هي مستحبة في قانون الكنيسة، وأن النور مكروه فيه. ولا نظن أحدا يكابر في هذه الحالة.

وأما طرز البناء العربي فهو على العكس من ذلك فهو يكره الظلام، ويحب النور، كما تشهد ذلك في جميع المساجد والمباني العمومية التي شادها المسلمون في الأندلس وغيرها، فأما مسجد قرطبة فهو أعظم مسجد في أسبانية، ومن أعظم المساجد في الإسلام، لا أظن مسجدا يفوقه في السعة سوى المسجد الحرام، وسوى المسجد الأقصى. وربما كان جامع ابن طولون في مصر بهذا المقدار. ولم يقع إنشاء المسجد الأعظم في قرطبة دفعة واحدة، بل وقع شيئا فشيئا، كما سيأتي تفصيل ذلك، فكان يزاد فيه كلما ازداد سكان قرطبة. وترى الإفرنج الذين يدخلون إليه يؤولون سعته هذه بأنه بناء قوم كانوا يحلمون بأن الإسلام لا بد أن يعم العالم، فإن المسقوف والصحن من هذا المسجد يسعان ثمانين ألف مصل يصلون وراء إمام واحد.

فأما النقش والفسيفساء اللذان في هذا المسجد فلا شك في كونها من الصنعة البيزنطية، كما أنه لا شك في أن صناع المسلمين تعلموها وتفننوا فيها، وقد تفننوا في الخرط والنحت والنقش والزينة بما جعل لهم أسلوبا خاصا معروفا بهم منسوبا إليهم، تجده في مساجدهم، وقصورهم، وحماماتهم، وأبراجهم، وأبوابهم، وكل بناء يولونه شطرا من عنايتهم.

ومما تمتاز به المباني الإسلامية نقش آيات القرآن الكريم، والأحاديث الشريفة والأمثال، والأشعار، في الحيطان والسقوف، وفوق الأبواب، وفي الأمكنة المعروضة للنظر، بما تزداد به الأبنية سناء، والإبهاء بهاء، ويعد من نفائس الزينة التي تزهو بها هذه المعاهد. ولقد رأيت في رندة قاعة انكشفت جديدا، حيطانها كلها من المرمر، وقد حفر عليها سورة الفتح من أولها إلى آخرها. وكان الأسبانيول يوم أجلوا العرب عن الأندلس إذا رأوا بناء متقنا، وضنوا به أن يجعلوه دكا، أبقوه ماثلا، لكنهم غطوا بالجص جميع ما على الحيطان من الكتابات العربية، حتى يمحو أثر الإسلام من بلادهم بالمرة.

ولبث ذلك ديدنهم إلى هذا العصر الذي شعروا فيه بأن السياح إنما تقصد بلادهم لأجل مشاهدة الآثار العربية، فرجعوا ينقبون عنها في كل سهل وجبل، وكلما انكشف لأحدهم منها شيء عد نفسه قد عثر على كنز، وصارت المجالس البلدية تمنع هدم أي أثر قديم للعرب، وإن كان متداعيا إلى الخراب اكتفوا بتقويم شعثه، وأبقوه على هيئته. وقد يكون الشارع ضيقا ولا يسمحون بتوسيعه، إذا استلزم ذلك هدم الأبنية العربية.

ومما يعجب به الإفرنج من مساجد الأندلس جامع في طليطلة يقال له اليوم «سانتو كريستو دولالوز»

Dola Luz

تاريخ بنائه كما يفهم من الكتابة التي في مدخله سنة 922 مسيحية. ولما استرجع الأسبانيول طليطلة في القرن الحادي عشر المسيحي حولوه كنيسة، ولم يغيروا فيه إلا الجهة الشرقية. وفي هذا المسجد بقايا نقوش عربية بديعة. ويقال إن الأذفونش السادس الذي احتال على ابن ذي النون حتى أخذ من يده طليطلة قد سمع أول قداس بعد استيلائه على هذه البلدة في هذا المسجد نفسه. وفي طليلطة أيضا من أمثلة الصنعة العربية كنيس لليهود يقصد إليه السياح لنفاسة بنائه. وقد بقي في الأندلس من المآثر العربية التي يشار إليها بالبنان قصر الجعفرية في سرقسطة، ومنارة أشبيلية الشهيرة، وباب ساحة النارنج في هذه البلدة، والقصر

Shafi da ba'a sani ba