بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله قبل كل مقال، وأمام كل حاجة وسؤال، وصلواته على رسوله المصطفى ونبيه المجتبى، وآله وصحبه وسلم تسليما.
أخبرنا الشيخ الإمام الحافظ شمس الحفاظ أبو الفضل محمد بن طاهر بن علي المقدسي -رضي الله عنه وأرضاه وجعل الجنة مثواه- قال:
Shafi 367
أخبرنا أبو علي الحسين بن عبد الرحمن بن الحسن العدل الشافعي -بمكة- رحمه الله قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن إبراهيم بن فراس، قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن إبراهيم الديبلي، قال: حدثنا أبو عبيد الله سعيد بن عبد الرحمن المخزومي، قال: ثنا سفيان #369# ابن عيينة، عن مالك بن مغول، عن طلحة بن مصرف قال: سألت عبد الله بن أبي أوفى هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء؟ قال: ((لم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا يوصي فيه، قلت: كيف أمر الناس بالوصية ولم يوص؟! قال: أوصى بكتاب الله وبسنته أن تتبع)).
Shafi 368
صحيح، أخرجه البخاري عن خلاد بن يحيى بن يحيى وأبي نعيم الفضل بن دكين عن مالك بن مغول. وأخرجه مسلم عن يحيى عن عبد الرحمن بن مهدي عن مالك كذلك.
وأخبرنا أبو القاسم #371# الفضل بن عبد الله بن المحب بنيسابور رحمه الله، قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد الخفاف، قال: أخبرنا أبو العباس محمد بن إسحاق السراج، #372# قال: ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن صفوان بن محرز قال: سئل ابن عمر عن الصلاة في السفر فقال: ((ركعتان من خالف السنة كفر)).
Shafi 370
أخبرنا علي بن أحمد، قال: ثنا أبو عمر عبد الواحد بن #375# محمد بن مهدي، بالإسناد إلى مجاهد، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من رغب عن سنتي فليس مني)).
هذا طرف من الحديث المعروف لما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفطر لما داوم [الصوم، و] بالنوم لما سهر، وبصحبة الأهل لما زهد في ذلك، ثم أتبع هذا اللفظ بقوله: ((من رغب عن سنتي فليس مني)).
أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد البزاز ببغداد، #377# الإسناد إلى الأوزاعي، عن حسان بن عطية قال: ((كان جبريل عليه السلام ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن، يعلمه إياها كما يعلمه القرآن)).
Shafi 374
هذا الحديث وإن كان من قول حسان، فإن نص الكتاب يؤيده، وهو قوله عز وجل {وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى}، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن شيء فيتوقف حتى يأتيه الوحي ثم يجيب السائل.
أخبرنا أبو بكر إسماعيل بن علي الخطيب #379# بالري، الإسناد إلى الأوزاعي، عن مكحول، قال: ((القرآن أحوج إلى السنة من السنة إلى القرآن)).
قال: وقال يحيى بن أبي كثير: ((السنة قاضية عن الكتاب وليس الكتاب قاضيا عن السنة)).
Shafi 378
وبعد؛ إخواني! رزقنا الله وإياكم سلوك طريق الاتباع، وجنبنا وإياكم محجة الأهواء والابتداع، فإني لو أوردت ههنا عن صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم في أمره باتباع سنته ونهيه عن الابتداع في شريعته، ثم ما ورد عن الصحابة والتابعين لهم إلى يومنا هذا، لأطلت الكتاب ولخرج عن حد الاختصار.
وقد صنف أهل السنة فيما أشرنا إليه غير كتاب، وإنما #382# أوردت هذا الفصل لمعنى؛ وهو أني رأيت مشايخنا الماضين وأئمتنا المتقدمين نظموا في الاعتقاد قصائد استحسنها المنتهي، #383# وحفظها المبتدي، فأحببت أن أسلك طريقهم، وأقتدي بمثالهم، إذ كان نوعا مسبوقا إليه، ومعنى محتويا عليه.
وقد أخبرنا أبو محمد قال: أخبرنا أبو حفص عمر بن إبراهيم #384# الكتاني المقرئ، بالإسناد إلى ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {واجعلنا للمتقين إماما} قال: ((نأتم بهم ونقتدي بهم حتى يقتدى بنا)).
من هذا فقلت -مع العلم بالقصور-:
Shafi 381
1 - أقول مقالا يرتضيه ذوو البصر ... وأنصره بالآي حسب وبالأثر
2 - لأنهما نور الهدى وسواهما ... ظلام بلا شك لمن مات وادكر
قال الله تعالى: {واذكرن ما يتلى في بيوتكم من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا}.
قال عبد الله بن عباس: ((آيات الله كتابه، والحكمة #388# سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم)).
وقال عز من قائل: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله}.
وقال تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر}.
وقال جل وعلا: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا}.
أخبرنا أبو علي الشافعي بمكة، الإسناد إلى سفيان بن عيينة في قول الله تبارك وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} قال: ((إلى #389# كتاب الله وإلى سنة رسوله)).
فلما أنزل الله تعالى هذه الآيات التي قرن فيها طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بطاعته عز وجل -إذ كان المبين عنه، وبذلك أمره جل جلاله فقال: {لتبين للناس ما نزل إليهم}، كانت أوامره ونواهيه مفترضة، ومخالفة أمره في السمع والعقل محظورة- لزم كل مسلم شحيح #390# بدينه البحث عن سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والفحص عن رواتها الذين هم المرقاة إلى المقتدى به المأمور باتباعه، ومعرفة عدلهم من مجروحهم، ثم التمييز بين تواتره وآحاده، وصحيحه وسقيمه، ومعلوله ومستقيمه، وغريبه ومشهوره، ومسنده ومقطوعه، ثم الاعتماد على ما اتصل بالنبي المرسل من رواية الأثبات المتقنين، من غير قطع ولا إرسال، ولا وقف ولا إعضال؛ فيجعل ذلك محجته وحجته.
Shafi 387
أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد بن البندار ببغداد قال: ثنا أبو القاسم إسماعيل بن الحسن الصرصري، الإسناد إلى زيد بن أرقم قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ((يا أيها الناس! أما بعد، إنما أنا بشير يوشك أن يأت رسول #392# ربي فأجيبه، وإني تارك فيكم الثقلين -يعني أولهما-: كتاب الله فيه الهدى والنور، فاستمسكوا بكتاب الله عز وجل، فخذوا به))، فحث على كتاب الله، ورغب فيه ثم قال: ((وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي -ثلاث مرات-)).
أخبرنا أبو علي الشافعي قال : أخبرنا محمد بن أحمد العدل، الإسناد إلى سفيان بن عيينة، عن عمر، عن رجل من ولد أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: كان بين الزبير بن العوام وبين رجل #393# خصومة في شراج الحرة التي يسقون بها النخل، فجاء الزبير والرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى للزبير، فقال الرجل: إنما قضى له لأنه ابن عمته! فأنزل الله تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم} الآية.
فجعل عز وجل في هذه الآية أن من شرط الإيمان وصحته #394# الانقياد لحكم رسوله، ودل على أن من خالفه غير منقاد للحق وغير ثابت الإسلام.
Shafi 391
3 - تحققت أن الله لا رب غيره ... بصنعته الأفلاك سبعا وبالفكر
قال الله تعالى: {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون}، وقال عز من قائل: {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت. وإلى السماء كيف رفعت}، وقال تعالى: {ومن آياته خلق السموات والأرض}، {ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره} , وقال: {الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها}.
فأخبر -عز من مخبر- أن في خلق السموات والأرض آية لذوي العقول، ثم أمرهم بالتفكر في خلقها.
بيان ذلك من الأثر:
أخبرنا علي بن أحمد البسري ببغداد قال: أخبرنا أبو طاهر [محمد بن] عبد الرحمن المخلص، الإسناد إلى عطاء بن يسار، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بينا رجل مستلقي ينظر إلى النجوم وإلى السماء فقال: والله [إني] لأعلم أن لك خالقا وربا، اللهم اغفر لي))، قال: ((فنظر الله إليه وغفر له)).
Shafi 394
4 - سميع بصير قادر متكلم ... مريد بما يأتي عليم بما يذر
5 - هو الحيوالباقي بأسمائه التي ... تزيد على التسعين تسعا لمن خبر
6 - رواه البخاري في الصحيح ومسلم ... وكل إمام في الأحاديث قد نظر
7 - وأورده أهل الشآم بشرحه ... وفضلهم في القلب يا صاح قد وقر
قال الله في محكم كتابه: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}.
بيان ذلك من الأثر:
أخبرنا أبو علي الحسن بن عبد الرحمن العدل، الإسناد إلى الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن لله تعالى تسعة وتسعين اسما مائة غير واحد من حفظها ومن أحصاها دخل الجنة)).
ورواه عن أبي هريرة جماعة، منهم: سعيد بن المسيب، وعطاء بن يسار، ومحمد بن جبير بن مطعم، ومحمد بن سيرين.
وأورده مسلم في كتابه.
أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد النامقي بنيسابور إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لله تسعة وتسعون اسما مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة، إنه وتر يحب الوتر)).
Shafi 395
8 - وأثبت إرسال النبي لما أتى ... به من دليل صادق معجز بهر
أخبرنا الشيخ أبو سعيد مسعود بن ناصر السجزي #403# بنيسابور قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن بشرى قال: سمعت الشيخ أبا سليمان أحمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب بن طهمان ابن عبد الرحمن البستي رحمه الله بهراة يقول:
((فإن قال هؤلاء القوم: فإنكم قد أنكرتم الكلام ومنعتم #404# استعمال أدلة العقول، فما الذي تعتمدون في صحة أصول دينكم؟ ومن أي دليل تتوصلون إلى معرفة حقائقها وقد علمتم أن الكتاب لم يعلم حقه وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يثبت صدقه إلا بأدلة العقول وأنتم قد نفيتموها؟!
قلنا: إنا لا ننكر أدلة العقول والتوصل بها إلى المعارف، ولكنا لا نذهب في استعمالها إلى الطريقة التي سلكتموها في الاستدلال بالأعراض وتعلقها بالجواهر وانقلابها فيها على #405# حدث العالم وإثبات الصانع، ونرغب عنها إلى ما هو أوضح #406# بيانا وأصح برهانا، وإنما هو شيء أخذتموه عن الفلاسفة، وإنما سلكت الفلاسفة هذه الطريقة لأنهم لا يثبتون النبوات ولا يرون لها حقيقة، ومثبتو النبوات فقد أغناهم الله عز وجل عن ذلك
Shafi 402
وبيان ما ذهب إليه السلف من أئمة المسلمين في الاستدلال على معرفة الصانع وإثبات التوحيد وصفاته، وسائر ما ادعى أهل الكلام تعذر الوصول إليه إلا من الوجه الذي يذهبون إليه ومن الطريق التي يسلكونها، ويزعمون أن من لم يتوصل إليه من تلك الوجوه كان مقلدا غير موحد على الحقيقة! وهو أن الله تعالى لما أراد إكرام من هداه لمعرفته بعث رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، وقال له: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك}، وقال صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع وفي مقامات له شتى وبحضرته عامة أصحابه: ((ألا هل بلغت؟))، وكان الذي أنزل الله من الوحي وأمر بتبليغه هو كمال الدين وتمامه؛ قوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم}، فلم يترك صلى الله عليه وسلم شيئا من أمور الدين وقواعده وأصوله #408# وشرائعه وفصوله إلا بينه وبلغه على كماله وتمامه، ولم يؤخر بيانه عن وقت الحاجة إليه، إذ لا خلاف بين فرق الأمة أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز بحال. ومعلوم أن أمر التوحيد وإثبات الصانع لا تزال الحاجة ماسة إليه أبدا في كل وقت وزمان، ولو أخر عنه التكليف لكان التكليف واقعا بما لا سبيل للناس إليه، وذلك فاسد غير جائز.
وقد ثبت عند الموحدين أمر التوحيد من وجوه:
أحدها: ثبوت النبوة بالمعجزات التي أوردها نبيهم صلى الله عليه وسلم من #409# كتاب أعياهم أمره وأعجزهم شأنه، وهم العرب الفصحاء والخطباء والبلغاء، فكل عجز عنه ولم يقدر على شيء منه بوجه فالعجز موجود والانقطاع حاصل.
هذا إلى ما شاهدوه من آياته وسائر معجزاته المشهورة عنه، كحنين الجذع لمفارقته، ورجف الجبل تحته وسكونه لما ضربه برجله، وانجذاب الشجرة بأغصانها وعروقها إليه، ونبع الماء بين أصابعه #410# وغير ذلك من المعجزات.
فلما استقر لما شاهدوه من هذه الأمور في نفوسهم، وثبت ذلك في عقولهم صحت [عندهم] نبوته، ووجب تصديقه على ما أنبأهم من الغيوب، ودعاهم إليه من أمر وحدانية الله تعالى وإثبات صفاته، وقد نبههم الكتاب عليه، ودعاهم إلى تدبره #411# وتأمله، والاستدلال به على ثبوت ربوبيته، فقال عز وجل: {وفي أنفسكم أفلا تبصرون}.
وذكر الآيات التي قدمناها في التفكر في خلق السموات وغيرها.
Shafi 407
بيان ذلك في الأثر:
أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد البزاز قال: أخبرنا أبو الحسين محمد الدقاق، الإسناد إلى جابر بن عبد الله قال: سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا نزلنا واديا أفيح، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته واتبعته، فنظر فلم ير شيئا يستتر به، وإذا في شاطئ الوادي شجرتين، فانطلق إلى إحداهما -يعني فأخذ غصنا من أغصانها- فقال: ((انقادي معي بإذن الله))، فانقادت معه كالبعير الذي يصانع قائده، حتى أتى الأخرى فأخذ غصنا من #413# أغصانها، فقال: ((انقادي علي بإذن الله))، فانقادت معه كذلك، حتى إذا كان بالمنصفة مما بينهما فقال: ((التئمي علي بإذن الله))، فالتأمتا عليه.
أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد قال: أخبرنا أبو طاهر الذهبي، الإسناد إلى الحسن، عن أنس قال:
((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إلى جنب خشبة مستند ظهره إليها، فلما كثر الناس قال: ((ابنوا لي منبرا))، فبنوا له عتبتين، فلما قام على المنبر فخطب حنت الخشبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حنين الواله، فما زالت تحن حتى نزل إليها #414# فاحتضنها فسكنت)). فكان الحسن إذا حدث بهذا الحديث بكى ثم قال: يا عباد الله! الخشبة تحن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقا إليه لمكانه من الله عز وجل، فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه!.
أخبرنا عثمان بن محمد بن عبد الله المزكي بنيسابور قال: #415# أخبرنا عبد الوهاب بأصفهان، الإسناد إلى سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على #416# جبل حراء فتحرك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اسكن يا حراء، فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد)). وكان عليه أبو بكر، وعمر وعثمان، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص.
Shafi 412
قرئ على فاطمة بنت أبي علي الدقاق وأنا أسمع: أخبركم أبو نعيم عبد الملك بن الحسن الأزهري قال: ثنا أبو عوانة الإسفراييني الحافظ، #418# الإسناد إلى سلمة بن الأكوع قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة فأصابنا جهد، حتى هممنا أن ننحر بعض ظهورنا، فأمر نبي الله صلى الله عليه وسلم فجمعنا أزوادنا، فبسطنا نطعا فاجتمع زاد القوم عليه. قال: فتطاولت لأحزره كم هو؟ فحزرته كربضة البعير ونحن أربع عشرة مائة. قال: فأكلنا حتى شبعنا، ثم حشونا جربنا، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: ((هل من وضوء؟))، فجاء رجل بإداوة #419# له فيها نقطة، فأفرغها في قدح، فتوضأنا كلنا ندغفقه دغفقة أربع عشرة مائة. قال: ثم جاء بعد ذلك ثمانية فقالوا: هل من طهور؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فرغ الوضوء)).
Shafi 417
9 - وأعلم أن الله من فوق عرشه ... بلا كيف بل قولا كما جاء في السور
وقال الله تعالى: {الرحمن على العرش استوى}.
وقال: {ثم استوى على العرش الرحمن}.
وقال: {رفيع الدرجات ذو العرش}.
وقال: {ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية}.
وقال: {تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة}.
وقال: {بل رفعه الله إليه}.
وقال: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه}.
قال الشيخ أبو سليمان الخطابي رحمه الله: ((هذه المسألة سبيلها التوقيف المحض، ولا يصل إليه الدليل من غير هذا الوجه، وقد نطق به الكتاب في غير آية، ووردت به الأخبار الصحيحة، فقبوله من جهة التوقيف واجب، والبحث عنه وطلب الكيفية له غير جائز، كما قالت أم المؤمنين أم سلمة رحمة الله عليها في قوله عز وجل: {الرحمن على العرش استوى}، قالت: ((الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإقرار به إيمان، والجحود به كفر)).
Shafi 419
وروي أن مالك بن أنس سئل عن الاستواء فأجاب بمثل هذا الجواب.
بيان ذلك في الأثر:
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد العزيز الهروي قال: أخبرنا
أبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح قال: أخبرنا أبو القاسم البغوي، الإسناد إلى عطاء بن يسار، عن معاوية بن الحكم السلمي قال:
قلت: يا رسول الله! إنا كنا حديثي عهد بجاهلية فجاءنا الله بالإسلام، وإن رجالا منا يتطيرون!
قال: ((ذلك شيء يجدونه في صدورهم)).
قلنا: ورجالا منا يأتون الكهنة! قال: ((فلا تأتوهم)).
قلت: ورجالا منا يخطون!
قال: ((قد كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق فذاك)).
قال: وبينا أنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة إذ عطس رجل فقلت: يرحمك الله.
قال: فحدقني القوم بأبصارهم فقلت: واثكل أماه! ما #427# لكم تنظرون إلي؟! قال: فضرب القوم بأيديهم على أفخاذهم فسكت.
فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم من صلاته دعاني، فبأبي وأمي هو ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، والله ما ضربي ولا كهرني ولا سبني، ولكن قال لي: ((إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، وإنما هو التسبيح والتكبير وتلاوة القرآن)).
قال: واطلعت غنيمة لي ترعاها جارية لي فوجدت الذئب قد ذهب [منها] بشاة فأسفت لذلك وغضبت فلطمت وجهها، فأخبرت بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فعظم ذلك عليه.
قلت: يا رسول الله! لو أعلم أنها مؤمنة لأعتقتها.
قال: ((ائتني بها)). فجئت بها فقال لها: ((أين الله؟)). قالت: في السماء. قال: ((فمن أنا؟)). قالت: أنت رسول الله. قال: #428# ((أعتقها إنها مؤمنة)). فأعتقها.
Shafi 422
ففي هذا الحديث دلالة أن من شرط الإيمان أن يعتقد الشخص بقلبه ويتلفظ بلسانه بأن الله عز وجل في السماء.
أخبرنا أبو بكر الشيرازي بقراءتي عليه غير مرة، أخبركم #430# الحاكم أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت محمد بن صالح بن هانئ يقول: سمعت محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: ((من لم يقر بأن الله عز وجل على عرشه قد استوى فوق سبع سماواته فهو كافر بربه، يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه وألقي على بعض المزابل حتى لا يتأذى المسلمون والمعاهدون بنتن ريح جيفته، وكان ماله فيئا لا يرثه أحد من المسلمين، إذ المسلم لا يرث الكافر كما قال عليه السلام)).
وإنما غلظ هذا التغليظ بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم لها بالإيمان إذ اعتقدت أن الله عز وجل في السماء، فمن أنكر ذلك يكون مخالفا لنص القرآن والسنة الصحيحة، ومن خالفهما خرج عن الإيمان.
Shafi 429
10 - وأشهد أن الله أسرى بعبده ... محمد المبعوث منه إلى البشر
قال الله تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا}.
بيان ذلك من الأثر:
أخبرنا أبو عمرو عبد الوهاب بن أبي عبد الله بن منده، #434# الإسناد إلى أبي سلمة بن عبد الرحمن: سمعت جابر بن عبد الله يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لما كذبتني قريش قمت في الحجر فجلى الله تعالى لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه)).
وفيه الدليل القاطع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسري بجسده ونفسه؛ لأنه لو قال: إني رأيت في المنام، لم تكذبه قريش كان مثله يمكن، وإنما كذبته لما جاء بأمر خارج عن عادات البشر، فبطل أن يكون مناما، فصح بذلك ما قلناه.
وأما الحديث الذي يستدل به على صعوده تلك الليلة إلى السماء السابعة:
Shafi 433
فأخبرناه أبو عمرو اللخمي بنيسابور، الإسناد إلى أنس بن مالك، عن مالك بن صعصعة أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال:
((بينما أنا عند البيت بين النائم واليقظان إذ سمعت قائلا يقول: أحد الثلاثة بين الرجلين، فأتيت فانطلق بي، ثم أتيت بطست من ذهب فيها من ماء زمزم، فشرح صدري إلى كذا وكذا، فاستخرج قلبي فغسل بماء زمزم ثم أعيد مكانه، فحشي إيمانا وحكمة، ثم أتيت بدابة أبيض يقال له: البراق، فوق الحمار ودون البغل، فحملت عليه ثم انطلقنا حتى أتينا السماء الدنيا، ثم استفتح جبريل فقيل: من هذا؟ قيل: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قالوا: قد بعث إليه؟ قال: مرحبا ولنعم المجيء جاء، ففتح لنا فأتيت #437# على آدم فقلت: يا جبريل من هذا؟ قال: أبوك آدم، فسلمت عليه، فقال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح. ثم انطلقنا حتى أتينا السماء الثانية فاستفتح كذلك ففتح لنا، فأتيت على يحيى وعيسى فقلت: يا جبريل! من هذان؟ قال: يحيى وعيسى -وأحسبه قال: ابنا الخالة-، فسلمت عليهما فقالا لي كذلك. ثم انطلقنا حتى أتينا السماء الثالثة فاستفتح كذلك ففتح لنا، (فأتيت على يوسف فقلت: يا جبريل! من هذا؟ قال: هو أخوك يوسف، فسلمت عليه فقال لي كذلك، ثم انطلقنا حتى أتينا السماء الرابعة فاستفتح كذلك ففتح لنا)، فأتيت على إدريس (فقلت: يا جبريل! من هذا؟ قال: أخوك إدريس)، فسلمت عليه فرد علي كذلك، ثم انطلقنا حتى أتينا السماء الخامسة، فاستفتح كذلك فأتيت على هارون فقلت: يا جبريل! من هذا؟ فقال: أخوك هارون فسلمت عليه فرد علي كذلك، ثم انطلقنا حتى أتينا السماء السادسة فاستفتح كذلك ففتح لنا، فأتيت على موسى فقلت: يا جبريل! من هذا؟ قال: أخوك موسى، فسلمت عليه فرد علي كذلك، فلما جاوزته #438# بكى، قيل: وما يبكيك؟ قال: رب! هذا الغلام بعثته بعدي يدخل من أمته الجنة أكثر مما يدخل من أمتي؟ ثم انطلقنا حتى أتينا السماء السابعة، فاستفتح كذلك ففتح لنا، فأتيت على إبراهيم فقلت: يا جبريل! من هذا؟ قال: أبوك إبراهيم، فسلمت عليه فرد علي كذلك، ثم رفع لنا البيت المعمور يدخل كل يوم سبعون ألف ملك، إذا خرجوا منه لم يعودوا فيه آخر ما عليهم، ثم رفع لنا السدرة المنتهى -فحدث النبي صلى الله عليه وسلم عن ورقها مثل آذان #439# الفيلة، وإن نبقها مثل قلال هجر، وحدث نبي الله أنه رأى أربعة أنهار يخرجن من أصلها، نهران ظاهران ونهران باطنان-.
فقلت: يا جبريل! ما هذه الأنهار؟ قال: أما الباطنان ففي الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات. قال: ثم أتيت بإناءين أحدهما لبن والآخر خمر، فاخترت اللبن، فقال: أصبت أصاب الله بك وبأمتك على الفطرة، وفرضت علي الصلاة خمسين صلاة في كل يوم وليلة، فأتيت على موسى فقال: بما أمرت؟ قلت: فرضت علي خمسون صلاة، قال: إني قد بلوت الناس قبلك وعالجت بني #440# إسرائيل أشد المعالجة، وإن أمتك لا تطيق ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فرجعت إلى ربي فحط عني خمسا.
قال: فما زلت أختلف بين موسى وربي حتى صرت إلى خمس صلوات، فقال لي موسى: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فقلت: لقد رجعت إلى ربي حتى استحييت، ولكني أرضى وأسلم، فنوديت: إني أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي وجعلت الحسنة بعشر أمثالها)).
أجمع أهل النقل على صحة هذا الحديث.
وأخرجه البخاري ومسلم في الصحيح.
Shafi 436
أخبرنا أحمد بن محمد البزاز، ببغداد قال: أخبرنا أبو طاهر، الإسناد إلى أبي سلمة، عن ابن عباس في قول الله تعالى: {ولقد رآه نزلة أخرى. عند سدرة المنتهى} قال: ((دنا ربه عز وجل منه))، {فتدلى. فكان قاب قوسين أو أدنى. فأوحى إلى عبده ما أوحى} قال ابن عباس: ((قد رآه النبي صلى الله عليه وسلم)).
وهذا الحديث صحيح متصل الإسناد إلى أبي العباس عبد الله بن عباس بن عبد المطلب.
وأخرجه أبو عيسى الترمذي في ((جامعه)) #442# عن سعيد كذلك.
ومن احتج بقول عائشة رضي الله عنها فهو الحديث الذي أخبرناه أبو محمد عبد الله، الإسناد إلى الشعبي، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها.
قال: قلت لها: {دنا فتدلى} قالت: ((ذلك جبريل عليه السلام)).
أخرج هذا الإسناد في الكتابين.
وهذا الحديث وإن صح سنده إلى عائشة فإن الكلام عليه من وجهين:
أحدهما: خالف ابن عباس -وهو إمام هذا الشأن، أعني علم تفسير القرآن-، ويقضى له على من خالفه.
أخبرنا أحمد بن محمد، الإسناد إلى عبد الملك بن ميسرة، عن طاووس قال: ((أدركت خمسين -أو سبعين- من #444# أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سئلوا عن شيء لا يجيبون حتى يجيب ابن عباس، فيقولوا: هو كما قلت: أو صدقت)).
والثاني: أن قولها يدل على أن الموحى جبريل؛ لقوله تعالى: {دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى. فأوحى إلى عبده ما أوحى}. وأجمعت الأمة على أن الموحي هو الله عز وجل، وقوله عز وجل: {فأوحى إلى عبده ما أوحى}. رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكون عبدا لجبريل، فصح بذلك ما قلناه، وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس بأن يعلمه الله التأويل، ولا شك في إجابته فيه؛ فكان الرجوع إلى قوله أولى.
فأخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد البزاز، الإسناد إلى عكرمة، عن ابن عباس في قوله تعالى: {وما جعلنا الرؤيا التي #447# أريناك إلا فتنة للناس} قال:
((هي رؤيا عين رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به))، {والشجرة الملعونة في القرآن} قال: ((هي شجرة الزقوم)).
أخرج هذا الحديث بصحته البخاري في ((كتابه)).
Shafi 441