فضحكت ضحكة فاترة، وقالت: يا له من مطلب مضحك! - هو مطلبي الوحيد في الحياة!
فرفعت منكبيها استهانة ولم تنبس لتطمئن إلى سيطرتها على انفعالاتها، فقال: إن الأمل يضيء قلبي كالإلهام!
فقامت قائلة: آن لي أن أذهب.
فتبعها وهو يقول: لن أسلم بخيبة مسعاي، مع السلامة، ومعك قلبي إلى الأبد!
25
لم يبق في الحجرة إلا إبراهيم، بمجلسه فوق الكنبة بين سنية خطيبته وعليات شقيقته. ارتدى جلبابا فضفاضا، برز من طوقه رأسه الحليق ووجهه النحيل الشاحب، والنظارة السوداء التي أخفت عينيه. ذاك أول يوم رجع فيه إلى بيته، حيث تلقى سيلا من كلمات العزاء والتشجيع، ثم أخليت الحجرة إلا من ثلاثتهم، فأسند رأسه إلى الجدار البارد، وأخذ يستحوذ على إرادته. بالنسبة إليه انتهى القتال، وانطوى تاريخ، واختفى النور إلى الأبد. عندما انقضت عليه الحقيقة قال: «ليتني مت!» لم يعد يرددها، وسرى إلى قلبه دفء عجيب في بيته، ولم يعد يشك أن الحي خير من الميت، ولم تكف سنية عن الكلام، قالت ضاحكة: لا يأس مع الحياة، كم من مرة كتبتها أو رددتها، ونسيت للأسف قائلها، ولكني لم أدرك معناها إلا اليوم!
ابتسم لصوتها المحبوب، فعادت تقول: سأقرأ لك، وستتعلم القراءة على طريقة برايل، وستشق لنفسك طريقا جديدا!
فتمتم: سنية، أنا ممتن جدا، أنت ملاك!
وتردد قليلا، ثم استطرد: ولكني أعفيك من أي تعهد سابق!
وضعت سبابتها على شفتيه بحنان، وقالت: لم أسمع شيئا. - بل فكري طويلا، إن أبعد قراراتنا عن الصواب هي ما نتخذها ونحن منفعلون.
Shafi da ba'a sani ba