كان الرجل واقفا يحملق في الفراغ، يتحاشى النظر إلى عينيها، ربما كان يعلم كل شيء، له ضلع في المؤامرة، في اللحظة الحاسمة سوف يقف مع صاحب الجلالة أو على الأقل رئيس الشركة.
تصلبت عند مدخل البيت تلوي عنقها نحو الأفق، السحب تتراكم على شكل نطف سوداء، ليس هناك ما يشير إلى هدوء العاصفة، ارتفع صدرها وهبط في زفير عميق، مع كل نفس بدت روحها كأنما تخرج من جسدها.
ظلت مطبقة شفتيها في صمت، لم يكن في الصمت إنقاذ لشيء، عليها أن تكشف الأمر للجارات، ربما تستطيع النسوة عمل شيء. - أجل، يمكنها اللجوء إلى النسوة.
سمعته يقهقه بصوت قرقعة البرميل، تجمدت في مكانها من الفزع، أيعرف النسوة أكثر منها؟ أيمكن أن تضحي بها النسوة إذا لزم الأمر؟
ظلت واقفة حيث كانت، لفت ذراعيها حول صدرها كمن تحس البرد، عيناها تتذبذبان دونما وعي، تقدم قدما وتؤخر الأخرى، كالفأرة الواقفة أمام ثقب في الجدار، لا تعرف إن كان طريقا للهرب أم فوهة مصيدة، غلبها الإعياء وهي واقفة، تساقطت قطرات العرق من جبينها، لعقتها بطرف لسانها تستشعر الطراوة، بدت كأنما استعادت شيئا من الثقة، عليها أن تتقدم وليكن ما يكون، أجل، دون مخاطرة لا تحدث حركة.
حركت قدميها وتقدمت نحو الطريق، كان قرص الشمس يختفي وراء الأفق، رياح شمالية تهب مع ذرات النفط، على حافة البركة رأتها جالسة تفك الرباط الأسود من فوق وجهها، تدعك أنفها وزوايا عينيها، ومن حولها النسوة يفعلن مثلها، يكشفن وجوههن، تمسك كل واحدة الرباط الأسود بين يديها، ثم تهزه في الهواء عدة مرات، محدثا صوتا مثل طرقعة الهواء، بدأت تدب بقدميها فوق الأرض، تدور حول نفسها دورة كاملة، والأصوات ترتفع كدقات الطبول، النسوة يرقصن على شكل حلقة، وأقدامهن تدب بالإيقاع ذاته، الغناء يتصاعد إلى السماء مع الغبار. - أهو قدرنا أن نحمل فوق رءوسنا! - براميل النفط إلى الأبد! - لا يا أختاه! لا يا أختاه! - ليس هو قدرنا! ليس هو قدرنا!
كان مدهشا أن تلمح ذؤابة الضوء في الظلمة، أن تكشف الصلة بين القدر والنفط، بدا لها جسدها مثل الجدار، منتصبا في وجه العاصفة، لا شيء يمكن أن يسقطها.
في تلك اللحظة ظهر الرجل رافعا ذراعه، كادت الضربة تفلق رأسها، لكنها وثبت متفادية الموت، انثنى فوقها فيما يشبه العراك، طرحته أرضا رغم الإعياء، خطف الإزميل من يدها ليجردها من السلاح، فأمسكت البرميل من أذنيه. - القوة لا تهزمها إلا القوة.
دارت بها الأرض وهما يتصارعان، في لحظة خاطفة أصبح فوقها، ملأه الغرور بامتلاكها فانتصب شعر رأسه، بدا في انتصابه أشبه بعرف الديك، وكان يمكن للمعركة أن تنقلب إلى شيء آخر يشبه الحب، لولا أنها خطفت الإزميل من يده.
تذكرت فجأة أنها كانت تحمل لقب الباحثة، أنها خرجت في إجازة، كان هناك شيء تبحث عنه، راحت الحمى التي انتابت جسدها تنحسر، بدا لها أن المرأة التي خرجت في إجازة لم تكن هي الباحثة، أنها لا تستطيع أن تحب الرجل دون أن يخضعها، وإن بدت حركة الإخضاع بريئة، إلا أنها لم تكن بريئة تماما.
Shafi da ba'a sani ba