ثنت المرأة عنقها ولم ترد، كان الصمت شيئا طيبا للغاية، دفعها إلى إغلاق عينيها في يأس كامل.
رفعت البرميل فوق رأسها واندفعت إلى الخارج، من الناحية الأخرى من البركة هبت عاصفة جديدة، ليس أمامها إلا أن تمضي في الطريق حتى النهاية، لا يزال بعيدا عن عقول النسوة فكرة الكشف عن وجوههن، لقد حملن البراميل قبل طلوع الشمس واختفين في الظلمة، امتدت ذراعها إلى أعلى، وهزت البرميل بقوة، لم تنسكب منه إلا قطرة متجمدة من النفط، كانت عيناها تتطلعان إلى السماء، لم تر شيئا، قربت أصابعها من أنفها فانبعثت رائحة الجاز العفن. - ما الذي يحدث لو استمرت حياتها بهذا الشكل؟!
ربما تكون هناك مؤامرة، رئيس الشركة له بشرة حمراء، يرطن بلغة أجنبية، وتقول الصحيفة إنه رجل كبير القلب، يتبادل البراميل مع صاحب الجلالة علامة الحب، وفي هذه المنطقة الأثرية أيضا رفات الموتى، وحفريات مقدسة من الآلهة القدامى، وبعض الإلهات من الزمن الحجري. - أجل، تغيرت المقدسات مع هبوب العاصفة. - ألا يوجد حفريات هنا في بطن الأرض؟ - لا يوجد إلا النفط يا مره. - ما هذا؟ - زجاجة إضافية في عيد صاحب الجلالة، ألم أقل لك إنه كبير القلب واسع الرحمة لا ينسى الرعية، ما رأيك في جرعة صغيرة؟ لنحتفل معا بعيد جلالته.
التوى لسانها داخل حلقها، حركت قدميها في الهواء مثل بقرة مربوطة الوثاق، هذا الرجل ليس زوجها وليس مندوب الشرطة، لماذا لا يفك وثاقها ويتركها تعود؟ إنها شابة في ربيع العمر، وتحمل لقب «باحثة» ولها زوج ينتظرها. - سأملأ لك كأسا. - أليس الشرب حراما؟ - ما دمنا وحدنا ولا أحد يرانا، وإن كان الأمر يستوجب بعض الحرص.
إنهم يوزعون علينا هذه الزجاجات، ومعنى ذلك أن الشرب مباح ليلة العيد حتى يضرب مدفع الإمساك، هل أنت على قيد الحياة؟ أراك لا تتنفسين؟ خذي هذا الكأس، وانسي كل شيء. - سأنسى. - أهذا وعد؟
هزت رأسها علامة الإيجاب، بدت ليلة العيد ملائمة تماما للهروب، بعد أن يشرب الرجل يفقد وعيه، وليس عليها إلا أن تشتري تذكرة العودة، فتحت الحقيبة لتخرج النقود، لم يكن هناك شيء، قلبت البطانة وهزت الحقيبة، لم يسقط قرش واحد. - أين النقود؟ - ماذا تقولين؟ - أنا أعمل وأستحق بعض الأجر. - أود أن أسألك سؤالا صغيرا لمجرد إرضاء فضولي. - نعم. - ألست أوفر لك كل شيء حتى الحب؟ هل ينقصك شيء؟ هيا انطقي ولا تكوني جاحدة! - أنت رجل مثالي، هذا صحيح، ولكن أنا أعمل طول النهار وجزء من الليل، من يدفع الأجر؟ - أجرك على الله. - الله؟! ماذا تقول يا رجل؟ - ألا تؤمنين بوجود الله يا مره؟!
صوته أصبح غاضبا، والنبرة مهددة، كانت تطالبه بأجرها، فإذا به يطالبها بالإيمان، ما علاقة الإيمان بالأجر؟ لم تكن تعرف، لكن الوضع انقلب، أصبح هو صاحب الحق، وهي لم تعد لها طلب، أجلسها في قفص الاتهام، وراح يدور حولها نافشا شعره، مزمجرا بالغضب. - امرأة مثلك لا يمتلئ قلبها بالإيمان، ماذا تستحق إلا الحرق في النار! هيا انطقي ودافعي عن نفسك!
التوى لسانها في حلقها وعجزت عن الرد، كانت مؤمنة تماما مثل الرجل وأكثر، قلبها كبير، أكبر من قلبه، يتسع لإيمان أكبر من إيمانه، بل يشمل الآلهة القدامى أيضا، والإلهات، لكن ما علاقة الآلهة بالنقود؟ وهي امرأة تؤدي عملها بالكامل، تحمل فوق رأسها البرميل، في شركة رسمية للنفط، والعمل شاق، ازداد مشقة بعد قيام العاصفة، وكان يمكنها أن تتجنب كل هذه المشاق، ضربت بقدميها الأرض وهي تصيح: كل هذه المشاق! - ولماذا أتيت في الأصل؟
تجمدت في مكانها لا تنطق، كان الرد واضحا لا يحتمل وضوحا أكثر، لقد جاءت لأنها عجزت عن الاستمرار هناك، أجل جاءت لتتجنب مشاق أكثر، هذا كل ما في الأمر. - أهذا كل ما في الأمر؟! - نعم، كل ما في الأمر.
بدا الأمر بسيطا غاية البساطة، انفرجت شفتاها عن تنهيدة عميقة تشبه الراحة، وانكفأت رأسها بحركة مباغتة فوق صدرها كأنها تنام، لكن الحركة أيقظتها فانتبهت، كان رأسها ثقيلا، والسخونة تتدفق من أعلى مع الثقل، كأنما تحمل قرص الشمس في منتصف النهار، مع أن الدنيا ليل، والرجل راقد إلى جوارها مفتوح العينين. - ألم تحصلي على إجازة؟! - ماذا تعني؟ - هذا أمر يقلق صاحب الجلالة ورئيس الشركة بطبيعة الحال. - ألم تنجح امرأة واحدة في الحصول على إجازة؟ - كانت هناك امرأة من أسرة فقيرة، وأهلها جميعا من اللصوص، قالوا إن عفريتا ركبها، فالعفاريت تتبع الفقر، واللصوص تتبع العفاريت، ومع ذلك لم تنجح في الهرب. - كيف كان ذلك؟ - نشرت الصحف صورتها وأعادوها قبل أن تجتاز الحدود. - أتعني أنه لم تهرب امرأة واحدة؟! - ولا رجل واحد.
Shafi da ba'a sani ba